كشفت دراسة حديثة نُشرت في العدد الأخير من دورية “المكتبة العامة للعلم 1”، عن أن اشتهاء طعام ما يأتي غالباً نتيجة حالة ذهنية معينة، تستثيرها ذكرى الاستمتاع بتناول وجبة معينة أو الاستياء منها. فبمجرد أن يتذكر الشخص وجبة ما تناولها في مطعم ما أو خزنها في ثلاجة المطبخ، يمكن أن يشعر بجوع أكبر، فيميل في الوجبة التالية إلى الأكل بنهم وشره، وبما يفوق حاجته.

وقد توصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد إجرائهم دراسة قاموا خلالها بالتلاعب بذاكرات مجموعة من الأشخاص فيما يخص وجبة الغذاء التي تناولوها، إذ أخفوا في أسفل طاسة شوربة الطماطم التي قدموها لهم، مضخة صغيرة تنفخ محتوى طاسة الشوربة وتجعلها تبدو أكثر من كميتها الحقيقية (300 ميليجرام بدلاً من 500 ميليجرام).

وتساءل الباحثون خلال الدراسة حول ما إذا كانت هذه الخدعة ستنطلي على الآكلين وتؤثر على مدى اكتفائهم بكمية شوربة الطماطم التي قُدمت لهم في المرات اللاحقة أم لا. ومع اقتراب موعد العشاء، تساءل الباحثون عما إذا كان المشاركون سيشتهون أطعمة مماثلة لتلك التي تناولوها في وجبة الغذاء. وعندما سُئلوا عما إذا كانوا يشعرون بالجوع قُبيل موعد العشاء، تبين أن ذاكراتهم صدقت الكميات التي رأوها وأخبروا بها وسجلتها، وليس الكمية الحقيقية للوجبة. وحتى عندما كانت طاسات الشوربة تنقضي وتنضب من حسائها بسرعة، فإن أولئك الذين كانوا يجلسون قُبالة وعاء كبير من شوربة الطماطم كانوا يشعرون بجوع أقل. أما أولئك الذين قُدمت لهم طاسات صغيرة الحجم من طاسات الشوربة، فإنهم أعربوا أنهم أكثر شعوراً بالجوع، حتى عندما قام الباحثون خلسة بإعادة ملء طاساتهم بشكل منتظم ودون أن يشعروا.

 

وفي اليوم التالي، لاحظ الباحثون أن ذاكرات المشاركين بشأن مدى رضاهم عن الشوربة التي قُدمت لهم كانت مصطبغة بالذكريات التي راكموها في اليوم السابق. فأولئك الذين رأوا طاسة كبيرة من الشوربة في اليوم المنصرم طلبوا طاسة متوسطة الحجم من الشوربة، بينما طلب أولئك الذين قُدمت لهم طاسات صغيرة الحجم مع العلم أنهم تناولوا في الحقيقة كميات أكبر من تلك التي تناولها أصحاب الطاسات الكبيرة، فإنهم صرحوا بأن تلك الكمية من الشوربة لن تسد رمقهم.

 

وعلق الباحثون على هذه الدراسة بالقول، إن العلاقة بين الوظيفة الذهنية والسمنة هي علاقة معقدة ومركبة لم يبدأ الباحثون في فك رموز شيفراتها إلا حديثاً. فعلماء الأعصاب كانوا يدركون منذ وقت طويل أنه إذا لم يكن للشخص ذكرى عن وجبة حديثة، فإنه يبدو أقل استجابة لتلك الرسائل الهرمونية التي يُصدرها الدماغ ليعبر عن الامتلاء ويطلب من صاحبه التوقف عن الأكل.

وقد وجد البروفيسور جون جانستاد من جامعة كينت ستيت أنه من بين الأشخاص الذين خضعوا لعمليات جراحية لإنقاص الوزن، فإن أولئك الذين لديهم ذكريات أفضل تمكنوا من مواصلة إنقاص أوزانهم على نحو أحسن مما حصل مع أولئك الذين لديهم مهارات إدراكية أضعف. وسجل الباحثون في نهاية الدراسة أنه عند تناول الطعام مع الانشغال بفعل شيء آخر، فإن الكمية التي يستهلكها الشخص من الطعام تكون مشوشة وغير واضحة في الذاكرة، ما يؤثر بدوره على التشويش على رسائل الدماغ الخاصة بدرجة الامتلاء والشبع.

وكانت دراسة سابقة صدرت سنة 2006 قد أشارت إلى أنه عندما يأكل الناس ما يوصف عادة بـ”الوجبة”، فإنهم يستهلكون سعرات حرارية أقل في الوجبة التالية مقارنة بالأشخاص الذين تُعطى لهم كمية الطعام نفسها، لكن على شكل “وجبة خفيفة”.

ويعتبر الباحثون أن نوع تفكيرنا بشأن الطعام الذي نأكله وقدرتنا على تذكر ما نأكله وكمية ما نتناوله تؤثر على سلوكنا الغذائي بشكل قوي في الوجبات اللاحقة. فوضع كميات كبيرة من الطعام، مع وجود عناصر إلهاء كثيرة، واستحضار تركيز أقل، وصفة مثالية لإنشاء ذكريات ضبابية عما نأكله، سواء على مستوى الكمية أو الجودة.

المصدر: “لوس أنجلوس تايمز”
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 11 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,543