عمار الشريعي بصحبة الأبنودي
محمد قناوي
ودّعت مصر صباح أمس السبت في جنازة شعبية بمدينة سمالوط، محافظة المنيا 250 كم جنوب مصر، الموسيقار الكبير عمار الشريعي بعد صراع طويل مع المرض، حيث كان قد عانى اضطرابات في القلب قبل عامين سافر خلالها للعلاج في لندن وباريس ونصحه الأطباء بضرورة إجراء عملية نقل قلب، ولكنه قام بتأجيل إجراء الجراحة بسبب ارتفاع تكاليفها والتي تتجاوز نصف مليون جنيه، وكان من المنتظر سفره للخارج لاستكمال باقي رحلته العلاجية، ولكن الدولة تجاهلت علاجه على نفقتها، وخلال الشهرين الأخيرين عانى بعض الاضطرابات في الكلى دخل على أثرها في شبه غيبوبة وانتقل لمركز القاهرة لأمراض الكلى وظل فيه حتى وافته المنية صباح أمس الأول الجمعة، حيث كان يرافقه ابنه الوحيد مراد وزوجته الإعلامية ميرفت القفاص رئيس قناة النيل الدولية، وتقيم أسرته العزاء يومي السبت والأحد بسمالوط على أن يقام عزاء بمسجد الرحمن الرحيم بالقاهرة يوم الاثنين.
(القاهرة) - الموسيقار الكبير عمار الشريعي الشهير بـ«غواص في بحر النغم» يعد واحدا من أبرز الموسيقيين في العالم الذين يخلقون حالة شجن مميزة للأعمال التي يقدمونها تجعلنا نبكي أحيانا.. واعتبره صناع الموسيقى المصرية، ظاهرة فنية فريدة كسرت حاجز «البصر» ووصلت لمرحلة من الإعجاز الفني يعجز عنها المبصر، مؤكدين أن موهبة عمار الشريعي لم تقتصر بعزفه على آلة العود، بل تمتد لمعرفته بجميع الآلات الموسيقية، إضافة إلى خبرته التكنولوجية وإجادته التعامل مع الكمبيوتر فهو «طه حسين الموسيقى»لكونه يرى ويسمع بأذنيه في آن واحد.
مكتشف المواهب ولد عمار علي محمد إبراهيم علي الشريعي الشهير بـ»عمار الشريعي» في 16 أبريل عام 1948 م، في مدينة سمالوط إحدى مراكز محافظة المنيا، جنوب مصر، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة طه حسين الثانوية للمكفوفين بالقاهرة حيث تخرج فيها عام 1966 وتلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار بمدرسته الثانوية في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصاً للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى. خلال فترة دراسته، وبمجهود ذاتي، أتقن العزف على آلات البيانو والأكورديون والعود ثم أخيراً الأورج.
وبدأ الشريعي حياته العملية عام 1970 كعازف لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية، ثم تحول إلى آلة الأورج، حيث بزغ نجمه فيها كأحد أبرع عازفي جيله، ثم اتجه بعد ذلك إلى التلحين والتأليف الموسيقى، والشريعي دائما مغرم باكتشاف المواهب الغنائية المميزة، حيث كون فرقة الأصدقاء عام 1980 والتي كانت تضم المطربين منى عبدالغني، وحنان وعلاء عبدالخالق، الذين قدموا مجموعة كبيرة من الأغنيات الناجحة والتي ظلت عالقة في أذهان الجمهور حتى الآن منها أغنية «الموضات» و«تحت العشرين» و«إلى كل طير مهاجر» و«الحدود» واكتشف بعد ذلك المطربة هدى عمار والتي أعطاها اسمه، وقدمت في فترة التسعينيات من القرن الماضي أغاني مهمة ومميزة قبل اختفائها أيضا عن الساحة الفنية، ثم دعم بعدها موهبة الفنانة آمال ماهر والتي أصبحت حاليا من أهم الأصوات النسائية في مصر والوطن العربي، كما اكتشف أيضا المطربة ريهام عبدالحكيم، ومي فاروق، وأجفان الأمير، وأخيرا دعم موهبة الفنان أحمد علي الحجار وقدم له العديد من ألحانه في أول ألبوماته الغنائية وزادت ألحانه على 150 لحناً لمعظم مطربي ومطربات عصره أمثال: «شادية ووردة وميادة الحناوي وعفاف راضى وسميرة سعيد ونادية مصطفي وأنغام ولطيفة وأصالة نصري وغادة رجب وعلي الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح ومحمد ثروت ومحمد منير وماهر العطار وحسن فؤاد وطارق فؤاد وعبد الله الرويشد.
مئات الأعمال الغنائية
وقدم الموسيقار الراحل مئات الأعمال الغنائية التي تغنى بها مطربون كبار في ألبوماتهم أو مسلسلات تلفزيونية وإذاعية وأفلام سينمائية ومسرحيات استعراضية، حيث قدم الشريعي حتى الآن موسيقى أكثر من 50 فيلماً، و150 مسلسلاً، وما يزيد على 20 عملاً إذاعياً، و10 مسرحيات غنائية استعراضية، ومن أشهر أعماله الموسيقية التلفزيونية، الأيام، بابا عبده، أديب، الندي، وقال البحر، دموع في عيون وقحة، رأفت الهجان، ليلة القبض على فاطمة، أرابيسك، العائلة، الراية البيضا، الشهد والدموع، زيزينيا، الأمير المجهول، ذو النون المصري، بين السرايات، امرأة من زمن الحب، أم كلثوم، حديث الصباح والمساء، لا، نصف ربيع آخر، أوبرا عايدة، بنات أفكارى، البر الغربي، حدائق الشيطان، العندليب، محمود المصري، أحلام عادية؛ريا وسكينة، وبنت من شبرا.. ومن أشهر أعماله الموسيقية في الأفلام» الشك ياحبيبي، البريء، البداية، حب في الزنزانة، أرجوك أعطني هذا الدواء، أيام في الحلال، آه يابلد، كتيبة الإعدام، يوم الكرامة، وحليم»
وحصل عمار الشريعي طوال مشواره الفني على العديد من الجوائز والأوسمة منها جائزة مهرجان «فالنسيا» بإسبانيا عام 1986، وجائزة مهرجان فيفييه بسويسرا عام 1989، كما حصل على العديد من الجوائز من السلطان قابوس بن سعيد حاكم سلطنة عمان، وأيضا من الملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، إضافة إلى العديد من الجوائز التي حصل عليها من مصر من المركز الكاثوليكي للسينما وجمعية النقاد والكتاب وجائزة الدولة للتفوق في الفنون، وأيضا جائزة الحصان الذهبي لأحسن ملحن في الشرق الأوسط لمدة 17 عاما متتالية.
حالة حزن
ووسط حالة من الحزن التي انتابت المطربين والملحنين والمؤلفين والمخرجين الذين عملوا وعرفوا الموسيقار الراحل عمار الشريعي عن قرب، لدرجة أن عددا منهم لم يتمالك دموعه وهو ينعي رحيله، يقول الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي عن رفيق مشواره: وفاة الشريعي بالنسبة لي بمثابة سقوط صرح عظيم وصديق غال وفنان لن يعوض، وحتى الآن لا أستوعب فكرة رحيله. وأضاف الأبنودي: عمار الشريعي بدأ حياته من الصفر في الصعود إلى سلم المجد، حيث بدأ عازفا في الفرق الموسيقية وبعدها صنع بعض الأغنيات القليلة التي أثبتت موهبته في تلك الفترة، وتكمن موهبته الفريدة في كيفية إداراته لها بذكاء وجهد خارق للعادة.
ويوضح الأبنودي لقاءه الأول بالشريعي قائلا: أسعدني الحظ بالاقتراب من الموسيقار ومن وهج موهبته، حيث أننى كنت أحضر معه جلسات العمل وهو يدندن ويضع موسيقاه بخفة واتزان وعمق، وبدأت رحلتنا العملية معا في مسلسل «النديم» إخراج علوية زكى، منتصف الثمانينيات، وقدمنا خلاله مجموعة من الأغنيات العاطفية، التي ما زالت تتغنى حتى الآن، وبعدها تعاونا في أغنيات مسلسل «أبو العلا البشرى» التي مازال المطرب علي الحجار يغني بعضها في حفلاته، وخلال رحلتنا معا في هذا الوقت قدمنا أغنيتين لوردة هما «قبل النهارده» و»طبعا أحباب» وألبوما كاملا للمطربة ميادة الحناوي، ثم أغنيات فيلم «البريء» تأليف وحيد حامد وإخراج عاطف الطيب، ألحان وغناء عمار الشريعي، وأغنيات للمطربين محمد ثروت ومدحت صالح».
وأضاف الأبنودي : قد تلقيت اتصالا من عمار منذ أيام قليلة ودار بيننا حديث طويل، وسألته عن قرار علاجه على نفقة الدولة فرد قائلا: «أظن أنهم قالوا هذا الكلام ذراً للرماد في العيون»، ولن يصنعوا شيئاً واعتبره «طق حنق» وتطرقنا أيضا خلال المكالمة إلى الأوضاع التي تمر بها مصر حاليا، وأكد لي مدى فخره بشباب مصر.. رحم الله عمار وألهم زوجته السيدة مرفت وابنه مراد الصبر.
«طه حسين الموسيقى»
وقال المطرب علي الحجار :أشعر بحزن شديد على فراق الشريعي، فمشواري معه بدأ عام 79 ويضم أكثر من 1200 لحن، ولدي معه ذكريات جميلة لن أنساها، كاتم أسراري، ودائما ما أشكو له همومي. وأضاف الحجار يعتبر الشريعي أكثر الملحنين الذين عملت معهم في مجال الدراما التلفزيونية بداية من مسلسل «الأيام»، وكان ذلك في عام 1979 وكان له فضل كبير في نقطة تحول مهمة غيرت طريقتي في الأداء أثناء الغناء.
وأشار الحجار إلى أن آخر الأعمال مع الشريعي كانت في شهر رمضان الماضي 2012 في مسلسل «ابن ليل» وهذه الأعمال كانت تحتوي عددا من الأغنيات الداخلية للتعليق على الأحداث تتراوح ما بين 20 و50 أغنية داخل كل عمل درامي، حتى أصبح رصيد أعماله مع عمار الشريعي فقط يقترب من 400 أغنية.
ووصفه الموسيقار حلمي بكر بـ»طه حسين الموسيقى» لكونه يرى ويسمع بأذنيه في آن واحد، وقال: عمار الشريعي يتمتع بخيال شديد يجعله يرى انفعالات الأبطال وتأثرهم بالمشاهد الدرامية، لذا نجحت جميع سيمفونياته الموسيقية التي وضعها في مسلسلات درامية ولاقت نجاحا كبيرا بسبب موسيقاه. ولفت بكر إلى أن الموسيقار الكبير تعامل معه كثيرا وتتلمذ على يديه، وعلى أيدى عباقرة النغم أمثال بليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل.
قامة فنية كبيرة
وأكد الموسيقار هاني مهنا أن هناك أواصر صداقة ممتدة بينه وبين عمار الشريعي قاربت على الأربعين عاما، وعملا معا في فرقة صلاح عرام الموسيقية، مشددا على أن الشريعي قامة فنية وثورية وصاحب رؤية وفكر حقيقي، والشريعي يرى ما لا يراه المبصر سواء في مجال الموسيقى أو في أي من المجالات الأخرى.
وأكد المخرج مجدي أبو عميرة أن الشريعي ليس مجرد موسيقار عادي، وإنما قامة فنية كبيرة كان لها الفضل في إحداث تغييرات في موسيقى الدراما التلفزيونية، وخلق نغمات جديدة تشعر بها القلوب وتنتبه لها الأذهان بل كان سابقا لعصره مشيرا إلى أنه قدم معه 4 أعمال فنية، أولها «السيرة الهلالية» بجزأيها الأول والثاني و»جحا المصري»حيث قدم الشريعي من خلال هذه الأعمال 30 أغنية تدور حولها الأحداث، فضلا عن تيترات المقدمة والنهاية لها، بالإضافة إلى مسلسل «اغتيال شمس».
ولم يتمالك المطرب محمد منير نفسه ودخل في نوبة بكاء شديدة وعبر عن حزنه قائلا: على المستوى الشخصي افتقدت زميل عمري، وقيمة فنية كبيرة جداً.
نوتة موسيقية للمكفوفين
قام عمار الشريعي بتأليف كونشرتو لآلة العود والأوركسترا على ألحان عربية معروفة وعزفهما مع أوركسترا عُمان السيمفونية عام 2005 وشارك بالتعاون مع شركة ياماها اليابانية في استنباط ثلاثة أرباع التون من الآلات الإلكترونية وشارك بالتعاون مع شركة إميولتور الأميركية في إنتاج عينات من الآلات التقليدية والشعبية المصرية والعربية وابتكر العديد من الإيقاعات والـضروب الجديدة وأعاد صياغة وتوزيع العديد من المقطوعات الموسيقية والأغنيات وساهم مع مؤسسة دانسنج دوتس الأميركية في إنتاج برنامج «جود فيل» والذي يقدم نوتة موسيقية بطريقة برايل للمكفوفين، وقام بتقديم وإعداد برنامج إذاعي بالاذاعة المصرية لتحليل وتذوق الموسيقى العربية بعنوان «غواص في بحر النغم» منذ عام 1988 وإعداد وتقديم برنامج سهرة شريعي مع قناة دريم الفضائية.
نقلة للموسيقى التصويرية
يقول المخرج محمد فاضل إنه قدم مع الشريعي منذ بداياتهما سلسلة طويلة من الأعمال الدرامية والمسرحية منها مسلسل «طائر الأحلام» ثم بعدها مسلسل «بابا عبده». بالإضافة إلى موسيقى التيترات، حيث أكد فاضل أن الشريعي أحدث من خلالها نقلة كبيرة في الموسيقى التصويرية للأعمال الدرامية، حتى توالت النجاحات بينهما من خلال أعمال أخرى منها «وقال البحر»»وليلة القبض على فاطمة» و«عصفور النار»عام 1986، والجزء الأول من مسلسل «أبو العلا البشري» و»الراية البيضا». وأوضح فاضل أن أول عمل سينمائي لحن موسيقاه الشريعي كان فيلم «الحب في الزنزانة» عام 1982، موضحا أن التعاون بينهما لم يقتصر على أعمال درامية وسينمائية فحسب، بل جمعتهما أيضا 3 أعمال مسرحية هي «لعبة الأمثال» و»مصر البنايين» و«هلال مصر»، حتى عاد الاثنان للتعاون الدرامي من خلال مسلسل «سنوات الحب والملح عام 2009.
الخبر صدمني
عبرت المطربة التونسية لطيفة عن صدمتها بخبر رحيل عمار الشريعي قالت: الخبر صدمني، فعمار قيمة فنية كبيرة، ومنذ أسبوع دار بيننا حديث تليفوني، ورغم حالة الإحباط التي سيطرت عليه من الأوضاع التي تمر بها البلد، إلا أن معنوياته كانت مرتفعة وعاد إلى الهزار و»القفشات» التي اعتدناها منه وكان أول عمل يجمع بيننا هو ألبوم «أكتر من روحي باحبك» وكان من كلمات الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد، وكان نجاح هذا الألبوم نجاحا ساحقا على مستوى المستمع المصري والعربي ويمثل هذا الألبوم نقلة نوعية من ناحية الكلمات والألحان وشكل الأغنية.
ساحة النقاش