هناك جدل كبير حول إيجابية، أو سلبية اقتران النجاح، أو التفوق الدراسي بالحوافز أو بالمكافأة أو بالإثابة. واختلف خبراء التربية والعلوم السلوكية حول تحديد القول الفصل، حول جدوى ربط أو إقران أو اشتراط تحقيق الأفراد لأهداف معينة بمكافأة من نوع معين. هناك من يتبنى قناعة أن الدافعية وسيلة جوهرية لتحقيق الأهداف التعليمية، وتعد من أهم العوامل التي تساعد على المعرفة أو التفوق الدراسي، أو غيرها من الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها. فالمتعلمون الذين يتمتعون بدافعية ذاتية عالية يكون تحصيلهم الدراسي أكبر، في حين أن الذين لديهم نقص في الدافعية لا يحققون نتائج مشابهة. فإلى أي حد يمكن أن تسهم المكافأة المشروطة في تحقيق الطالب نتائج دراسية أفضل؟

خورشيد حرفوش - هل من الأفضل أن تقرن الأسرة تفوق أحد أبنائها بمنحه مكافأة مادية مجزية؟ الحاجات الأساسية للإنسان دوافع وطاقة كبيرة توجه سلوكه لتحقيق هدف معين. فالطالب الذي يجتهد في دراسته، يبذل مجهوداً ونشاطاً يرتبط بإشباع عدة حاجات لديه، مثل الحاجة إلى النجاح والتقدير والشعور بالأهمية، والحاجة إلى الإنجاز والاستقلال وتحقيق الذات.

هناك من يرى أن الثواب أو المكافأة يمكنها أن تحفز الطالب على لتحقيق الشعور بالرضا والارتياح، سواء كان ذلك تشجيعاً معنوياً ولفظياً، أو من خلال التشجيع المادي بجوائز عينية مادية. ومن ثم يصبح للمكافأة أهمية في إشباع الحاجة إلى التقدير في المقام الأول، على العكس من العقاب الذي يسبب الشعور بعدم الرضا، وعدم الارتياح.

 

حافز المكافأة

 

يرى الطالب خالد راشد المهيري»الصف الثاني عشر» أن ربط المكافأة بالنجاح ـ كأن يوعد الطالب بسيارة، أو رحلة إلى خارج الدولة أو الحصول على مبلغ مالي، قد يحقق الهدف في بعض الأحيان، وأن الطالب يصبح كل همه أن ينجح أو يتفوق للحصول على الهدية أو المكافأة، ولا يصبح التفوق في حد ذاته هدفاً له، لكن عامة أرى أن الثواب «المكافأة» له أثر كبير في تحسين أداء الطالب، أما العقاب بمختلف أنواعه فإنه يؤدي إلى نتائج عكسية. كما أن هذه الطريق قد تكون مناسبة للأطفال أو الطلاب في سن أو مرحلة معينة، لأن الإخفاق من شأنه أن يخلق حالة من الشعور بالكراهية عند المتعلم للمادة التي أخفق فيها أو حصل على علامات منخفضة فيها، وبدا يقل إنتاجه وسرعة تعلمه، ويتأخر عن غيره ممن حظي بالمدح والثناء».

ويضيف ظافر رضوان» الصف الثاني عشر»: «يجب الحذر من الإسراف في الوعود البراقة التي تقدمها الأسرة للأبناء، فقد يسبب ذلك الشعور بالغرور والمبالغة في تقدير الذات، أو التوتر، كما أنها تبعث على الفتور في الأداء إذا استشعر الطالب أنه لن يصل إلى مبتغى أسرته، لهذا يجب أن تكون الوعود بالقدر الذي يدعم ويعزز السلوك وفق قدر مناسب ويدفع إلى المزيد من العمل والاجتهاد، فالطلاب يختلفون في طرائق وأساليب الاستجابة للأنظمة التعليمية والمدرسية، والبعض يقبل على الدراسة بشغف وارتياح وفاعلية عالية للتحصيل العلمي، والبعض الآخر يقبل على الدراسة بتحفظ وتردد، لذلك هناك أهمية كبيرة للدافعية والفروق الفردية في التحصيل الدراسي بين الطلاب».

تقول مها صابر شوكت «الصف الحادي عشر» «نجد أن بعض الطلاب يتميزون بتحصيل دراسي عال، رغم أن قدراتهم الفعلية منخفضة، وعلى العكس من ذلك نجد من ذوي الذكاء المرتفع وتحصيلهم الدراسي منخفضاً، وهذا يرجع إلى ارتفاع أو انخفاض الدافعية نحو التحصيل حيث يوجد ارتباط وعلاقة قوية بين الدافع للتحصيل والإنجاز «الأداء»، لذلك، فإنه يتعين على الآباء والمربين الاهتمام بتشجيع الأبناء على الإنجاز في شتى المواقف وعلى التدريب والممارسة على الاستقلال والاعتماد على الذات، مع ملاحظة أنه كلما ارتفع مستوى الطموح بين الآباء تجاه تحقيق أهداف معينة كلما انتقل أثر ذلك إلى الأبناء وكان من أهم أسباب ارتفاع الإنجاز لديهم. ومن هنا يتبين أهمية الدوافع في التعلم المدرسي والنجاح بوجه خاص».

الدوافع والمنافسة

تكمل فاطمة الهنوري»طالبة بالصف الثاني عشر» :«تضع الدوافع أمام الفرد أهدافاً معينة يسعى وينشط لتحقيقها، بناءً على وضوح الهدف وحيويته والغرض منه، وهذه الدوافع تمد الطالب بالطاقة وتثير نشاطه، فالدوافع تجعله يستجيب للدعوة إلى المزيد من التركيز والانتباه في اتجاه واحد، كذلك تساعد المكافأة أو الوعود الموضوعية في تشجيعه، وتحفيزه، لكنني أفضل أن يكون ذلك من خلال وعيه الذاتي بأهمية النجاح والتفوق سواء اقترن ذلك بمكافأة أو لا. فإذا تحولت المكافأة إلى دافع، نجد الدوافع تنشط السلوك نحو تحقيق هدف معين. لذلك يمكن للمعلم توجيه هذا النشاط نحو أداءات أفضل والعمل على استمراريته وتنوعه».

مشتتات الانتباه

تؤكد جوري سعيد «معلمة» أهمية ضبط المثيرات، وذلك بتهيئة المكان المناسب وفرص الدراسة المناسبة للطالب، وإبعاده قدر الإمكان عن مشتتات الانتباه، وعدم الانشغال بأي سلوكيات أو نشاطات أخرى خلال الدراسة، وتنمية وعي الطالب بأهمية التعلم، وإبراز أهمية النجاح في تحقيق سعادة الفرد وتنمية الإبداعات وتشجيع المواهب، وإيجاد حلول تربوية لمشكلات الطالب النفسية والصحية والأسرية، وتحسين البيئة الصفية بشكل إيجابي، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين عند التعامل معهم، وإتاحة الفرصة للمعلم كي يبذل قصارى جهده في التواصل مع الطلاب حتى يتمكنوا من تحقيق أكبر قدر من التعليم الهادف. ولا يمكن أن نستبعد أهمية الحوافز المادية والمعنوية في تحسين مستوى الأداء الدراسي، ومن الأهمية أيضاً تنويع الحوافز من قبل المدرسة والأسرة بما يتفق وميول واتجاهات الأبناء أنفسهم، وتشجيع الأبناء على الإنجاز، وعلى التدريب والممارسة على الاستقلالية والاعتماد على الذات، مع ضرورة تقنين الثواب والعقاب داخل الأسرة والمدرسة معاً، لأن ذلك يؤثر على دافعية التعلم إيجابياً وسلبياً.

«المكافأة عدو الاكتشاف»

المستشار التعليمي والتربوي خالد سيف الدين عاشور، يطرح عدة تساؤلات تتعلق بجدوى وأهمية ودور المكافأة في تحسين مستوى أداء الطلاب، ويسأل: «ما المقصود بالمكافأة ؟ وهل تغيّر المكافآتُ ـ بشكل عام ـ السلوك؟ ومع مَن تكون فعّالة؟ وما ومتى مدة فعّاليتها؟.

ويجيب: «المكافأة يمكن أن تكون على المدى القصير، وأن تمنح للأطفال في مرحلة معينة، وعلينا أن نحدد ما الذي يمكن أن تفعله المكافآت، ولماذا لا يستمر الناسُ في السلوك الذي تم تعزيزه؟ إنها تكون فعالة في جعل الآخرين يمتثلون لما تريد منهم. فإذا أردت أن يطيعَ الآخرون أوامرك ويفعلوا ما يُطلب منهم فلا شك أن المكافآت تجدي هنا، لكن إذا أردت الحصول على نوعية عمل جيدة على المدى البعيد، وأردت مساعدة الطلاب لشحن دوافعهم الذاتية، فإن المكافأة لا تجدي هنا، بل تؤدي إلى عكس المطلوب. لأن المكافآت تقتل الإبداع، فالأطفال الذين يتعلقون بالمكافآت التي يُوعَدون بها يستخدمون طرقا للتعلم لا ترقى إلى مستوى الطرق التي يستخدمها الطلابُ الذين يتعلمون للتعلم نفسه، ولا يبتغون من وراء ذلك جزاء، لأن الوعد بالمكافأة يُحسّن الأداء في المهمات السهلة التي لا تتطلب جهدا عقليا كبيرا، كما أن للجوائز التشجيعية آثاراً ضارة على الأداء عندما تكون المهمة مشوقة بدرجة تصبح فيها الجوائز مصدرا زائدا للتحفيز، وعندما يكون حل المهمة مفتوح النهاية، بحيث تكون الخطوات الموصلة للحل ليست واضحة. فالذين يُوعدون بالمكافأة يختارون مهمات سهلة، ونراهم أقل فاعلية في استخدام المعلومات المتاحة لحل المشكلات، كما أنهم أقل منطقية في استراتيجياتهم لحل المشكلات، مع أنهم - في الظاهر- يبذلون جهدا كبيرا، إلا أن نوعية الجهدِ ضعيفة، وأخطاءه كثيرة ونمطية وأقل إبداعية. فالدراسات تؤكد أنّ المكافآت الدراسية تنتج خضوعا وامتثالاً مؤقتا، لكنها لا تقود إلى تغييرات سلوكية دائمة.

كما أن «المكافأة عدو الاكتشاف»، لأنها لا تحفز على الإبداع أو المجازفة، وتستدعي أساليب نمطية ومكررة للإنجاز، فكلما كانت المكافأة أكبر، كلما اختار الناس المهمة الأسهل. كما أن خطورة المكافأة المرتبطة بالدراسة، أن الطالب سيفهم أن المدرسة مكان للحصول على العلامات بأي ثمن فقط.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 9 ديسمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,550