إن أول ما يواجه الأمهات الجدد من حيرة ومتاعب، جهل معظمهن في التعامل مع المولود الجديد، وكيف يركزن اهتمامهن في رعايته، وكيف يتعاملن مع أي عارض مرضي في أيام عمره المبكرة؟ وعادة ما يلف الغموض والحيرة والقلق موقف الأم عندما يبكي وليدها لأي من الأسباب الغامضة التي لا تجد لها تفسيراً معلناً، أو سبباً معروفاً، فضلاً عن استعجالها النتائج، ووقوعها أسيرة لنصائح وخبرات متضاربة لمن حولها من الأهل والأصدقاء، وغالباً لا تجد مفراً إلا التردد على عيادة الطبيب المعالج، حيث تسبق خطواتها ما تحمل من قلق وتوتر وتساؤلات لا حصر لها، ونراها تنظر إلى طريقة فحص الطبيب لوليدها بعدم الرضا! إنه يفحص الطفل بسرعة، ويحاول أن ينهي عمله في أسرع وقت ، ويفوته أن الآباء والأمهات الجدد شغوفون بأن يعرفوا إجابات دقيقة على كل تساؤلاتهم الحائرة!

خورشيد حرفوش - ثقافة الرعاية الصحية الأولية للمولود الجديد، أهم ما ينقص الأمهات الجديدات، وما من شك أن العناية الطبية وجه واحد من أوجه مسؤولية الطبيب أمام الحالة الصحية للطفل التي يشرف عليها. هناك التاريخ المرضي الذي تحكيه الأم أو الأب للطبيب، وهناك التحاليل المعملية التي قد تكون ضرورية، فلا يجب أن ننتظر إلى أن يدق المرض باب الطفل، ثم نبحث عن الحلول الناجزة، لكن على الآباء والأمهات أن يأخذوا حذرهم من البداية، وهذا يجعل الطبيب أكثر ألفة مع الطفل الذي يشرف على علاجه إذا أصابه مكروه، ومن ثم يستطيع الأهل أن يعرضوا على الطبيب مخاوفهم بصراحة ووضوح.

عندما يبدأ طبيب الأطفال في الكشف عن طفل مريض فإن سمعه وعقله يتجهان إلى المخاوف التي جعلت الأهل يصحبون الطفل إلى العيادة. ويبدأ بعد ذلك في السؤال عن نوع الغذاء وكيف يتقبله الطفل، ويزن الطفل بأقل قدر من الملابس ويقيس طوله، ويفحص حركة مفاصله في الذراعين والساقين ويفحص الأذن والحلق ويسأل عن مدى حيوية الطفل اليومية في مجالات اللعب وعلاقاته بالآخرين، ثم يتجه الحديث بعد ذلك إلى الهضم ونظام التبول والتبرز وهل هناك تغير ملحوظ في ذلك أم لا، ثم النوم ومدته وهل يستيقظ وينهض من نومه نشيطاً أم خاملاً. وبعد ذلك يبدأ بفحص الجهاز التنفسي وحالة القلب والجلد، ثم مدى فاعلية الطفل وسط أخوته، وهكذا نجد أن الفحص الجسدي للطفل لا يعطي سوى عدد قليل من المعلومات بالقياس إلى كمية المعلومات الأخرى التي تعتمد على ملاحظة الطبيب للطفل منذ ولادته أثناء الكشف الدوري عليه وعن ملاحظات الأسرة.

 

التاريخ المرضي

 

الدكتورة افتتاح فضل، أخصائية النساء والولادة توضح أهمية معرفة التاريخ المرضي للطفل، لكل من الأم والطبيب، وأهمية إدراكها لمواعيد وتعاطي جرعات التطعيم واللقاحات الضرورية، وتقول:» عندما يكون الطفل في عامه الثاني أو الثالث، فالطبيب عليه أن يسأل أثناء الكشف الدوري على هذا الطفل، وهل تلقى التطعيمات اللازمة في مواعيدها؟ ويسأل عن نظام التغذية والنوم ومدى اختلاطه بآخرين يحتمل أن يكونوا مصابين بالعدوى، ويسأل الطبيب أيضاً عن مدى انسجام الطفل مع والديه وأخوته وأصدقائه ومدرسته بل مع نفسه، وهكذا نرى أن الفحص الطبي نفسه لا يساعد الطبيب إلا في موضوعين هما نمو الطفل، ومدى سرعة تأثره بالعدوى من أي إنسان آخر. وعندما نناقش بدقة مسألة النمو، ومسألة العدوى فإن تاريخ الطفل نفسه لا تقل أهميته عن أهمية الفحص. إن تاريخ الطفل والأسرة المرضي يساعد الطبيب على معرفة أسس الداء عند إخضاعه للفحص الطبي، فمظاهر المرض لا تعطي إلا قدراً ضئيلاً من المعلومات عندما يحاول الطبيب الكشف الطبي على الطفل، لكن تاريخ الطفل يوضح وزنه مثلاً في مراحل النمو المختلفة ومدى تكيفه مع البيئة خلال الفترة السابقة».

وتضيف الدكتورة فضل متسائلة:»ما هي الوسائل الأساسية في فحص الطبيب للطفل لنعرف حدود أهميتها أثناء الكشف الدوري الذي تجريه الأسرة لطفلها المولود حديثاً أو لطفلها الذي كبر وترعرع. ولتكن البداية هي مسألة الوزن، نحن نعرف أن الطفولة معناها وجود كائن إنساني ينمو، ولهذا فوزن الطفل هو أول الوسائل التي تعطينا حقيقة ثابتة يتابعها الطبيب، ويتابع من خلالها نمو الطفل، وهو يفسر الزيادة أو النقصان بطريقة سليمة في أغلب الأحوال، فالطبيب أيضاً يهتم بقياس طول الطفل، لأن هذا يؤكد إحدى علامات نمو الجسد، رغم أن طول الطفل لا يقل عن المعتاد ولا يزيد عن الطبيعي إلا في حالات المرض المزمن الحاد أو في حالة وجود مشاكل أسرية ضخمة.

وفي حالة الطفل المولود حديثاً، فإن الطبيب يتحسس المنطقة الرخوة من الرأس، ويفحص بيديه الرأس لكي يتأكد من عدم إصابة الطفل بأي مرض من الأمراض النادرة التي تجعل رأس الطفل ينمو بسرعة أو ببطء أكثر من اللازم، ثم يقلب الطبيب بعد ذلك جفن العين الأسفل ليراه، لأي شحوب في الأوعية الدموية هنا يدل على احتمال الإصابة بفقر الدم وهو مرض منتشر خلال الستة أشهر الأخيرة من عام الطفل الأول وخلال العام الثاني كله من عمر الأطفال».

فحص البصر

تشير الدكتورة زينات خليل، أخصائية العيون، إلى جانب مهم أيضاً، يتمثل في أهمية ملاحظة الطبيب لحدقتي العينين، وهل ينظران إلى أي شيء بشكل طبيعي أم أن هناك اختلالاً في التوازن في المسافة بين الحدقتين. وعندما يصل الطفل إلى سن الالتحاق بالمدرسة، علينا أن نجري له كشفاً على مدى قوة النظر مرة كل عام على الأقل إما عن طريق المدرسة أو الطبيب المعالج له أو أحد أطباء العيون لأن ذلك يدلنا بسرعة على حالات قصر النظر التي يمكن أن تتطور بسرعة في هذا العمر، أو احتمال وجود ما يسميه الأطباء «بالاستجماتزم»، وعندما تكون هذه الأعراض موجودة فإن المدرس أو الأم يمكن أن يلاحظاها لأن الطفل لا يمسك بالكتاب أو المجلة بطريقة طبيعية. كما أن هذا الكشف على العيون ضروري لأنه قد يكشف مدى حالات ضعف النظر البسيطة التي قد لا يلحظها الآخرون ولا يشكو منها الطفل.

بعد ذلك هناك فحص سريع للأنف بواسطة البطارية المضيئة، وهذا الضوء الصادر من البطارية لا يكشف إلا حالات الحساسية أو الرشح أو التهاب الجيوب الأنفية أو يكشف عن وجود أي جسم غريب يكون الطفل قد أدخله في أنفه ثم فحص الأذنين بعد ذلك، خصوصاً طبلة الأذن، وهذا هام للغاية في حالات الأطفال الصغار أثناء الإصابة بالرشح أو احتقان الحلق مع ارتفاع درجة الحرارة، لأن الأطفال عموماً أكثر عرضة للإصابة بالتهابات في الأذن.

وإذا كان هناك اشتباه في قوة السمع أو إذا كان الطفل قد أصيب بالتهاب حاد في أذنيه أو إذا كان بطيء النطق، وكلماته غير واضحة، هنا يجب أن نذهب بالطفل إلى أحد أطباء الاختصاص في الأذن ليضع تقريراً واضحاً عن حالة الطفل السمعية. والطفل عندما يصاب بارتفاع حاد في درجة الحرارة ففي الغالب يكون الحلق أو البلعوم هو المكان الذي نكتشف فيه سبب المرض.

وأثناء الشهور الأولى من ميلاد الطفل يجب أن نلاحظ حالة الرأس، هل هو مستقيم فوق الرقبة؟ هل يحركه الطفل بسهولة إلى اليمين واليسار، وقد يثني الطبيب رقبة الطفل قليلاً ليتأكد من عدم وجود إصابة في الغشاء السحائي.

والطبيب يفحص عن طريق اللمس حالة الغدد الليمفاوية بجانبي العنق، وتحت الإبطين وأعلى الساقين، حيث إن تضخم هذه الغدد يكون في بعض الأحيان مصاحباً لالتهابات اللوزتين أو الجلد، لكن تضخم هذه الغدد أيضاً قد يكون دليل مرض خطير يستدعي العلاج الفوري. وتختلف المسألة عندما يكون الطفل مصاباً بأي نوع من أنواع الشهقة أو السعال أو غيرها لأنه قد يظهر على ملامح الطفل بعض الشحوب الذي يثير مخاوف الطبيب، أو أن يفحص الطبيب الرئتين فحصاً دقيقاً، وينصت الطبيب إلى دقات القلب بالسماعة ويعرف هل الدقات سليمة متتابعة وذلك حتى يطمئن إلى أن القلب ما زال طبيعياً.

الصحة العامة

يشير الدكتور طارق بشير غانم، أخصائي الأطفال، إلى أهمية اهتمام الأم بالصحة العامة للطفل، والتقيد بمواعيد التطعيمات الدورية، وعليها متابعة الكشف الدوري على البطن والأمعاء الغليظة التي تمتلئ في بعض الأحيان بكمية من الغازات كبيرة في أثناء فترة الرضاعة وحتى يراقب الطفل حالة «سُرة» الطفل وهي مسألة تهتم بها الأمهات كثيراً، ثم يقيس الطبيب بأصابعه حجم الكبد والطحال، وهل يوجد أي تضخم غير طبيعي في أي مكان من البطن. ففي الشهور الأولى لحياة الطفل فإن الطبيب يكشف على الأعضاء التناسلية حتي يطمئن إلى أنها سليمة التكوين وأن مكان الخصيتين طبيعي وأن فتحة البول في وضعها السليم.

كما أن الجهاز العظمي للطفل يحتل مكانة هامة من الفحص الطبي، إن الطبيب يحاول أن يستكشف كيف يستعمل الطفل يديه وقدميه وهل هناك صعوبات في ذلك أم لا، وهل العضلات متماسكة وقادرة على القيام بوظيفتها أم لا. إن فحص الجهاز العظمي يجب أن يكون دقيقاً لأن عظمة المفصل التي تصل بين الفخذ والساق قد تكون في غير مكانها أو أن تكون إحدى عظام الساقين أو الذراعين غير طبيعية.

وهناك فحص آخر الغرض منه التأكد من عدم وجود أي خلل في الجهاز العصبي وهذا الفحص يأخذ من الطبيب أكثر من ثلاثين دقيقة تقريباً لو كان هناك شك في وجود أي خلل في الجهاز العصبي.

الفحوص الطبية الدورية.. ثقافة ضرورية

يقول الدكتور طارق بشير غانم: « لا توجد خطوات محددة يمكن أن يقوم بها الطبيب لأن النقطة التي تطلب التركيز في كل فحص تختلف عن الأخرى بحسب شكوى الطفل أو شكوك الأم، وتختلف أيضاً من مرحلة الرضاعة إلى بقية مراحل العمر التالية، كما أن الطفل الذي يذهب إلى طبيب معين لأول مرة يختلف طبعاً عن الطفل الذي يذهب إلى طبيب يعرف حالته جيداً، لكن شكوك الأمهات وازدحام بعض العيادات وإرهاق بعض الأطباء كل ذلك قد يدفع الأمهات والآباء للتنقل بأبنائهم من طبيب إلى آخر. إن الهدف من الفحص الطبي هو أن يقتنع الطبيب وأهل الطفل من أن جسد الطفل يؤدي وظائفه كاملة وأنه لا توجد أية علامات لأمراض خفية ولكن علينا أن نعرف أيضاً أن الفحص العام للجسم هو أيضاً ذو إمكانات محدودة لأن الطبيب ليس «قارئ غيب» وليس هناك من يستطيع أن يتنبأ بآثار مرض قادم ما لم تكن بوادر هذا المرض قد ظهرت فعلاً. أنصح جميع الأمهات والآباء أنه من الضروري إجراء فحص طبي شهري بالنسبة للطفل الوليد حتى عندما يكون معافى، إن ذلك ضروري حتى يمكن اكتشاف أي اختلال طارئ في صحة الطفل، ويجب أن يكون هناك سجل صحي لكل طفل عند الطبيب الذي تثق به الأسرة. وينصح الآباء والأمهات بضرورة الفحص الطبي الشامل والدقيق للطفل قبل أن يلتحق بالمدرسة بداية من ضغط الدم إلى مدى قوة النظر وسلامة السمع».

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,678