بدأ ضيوف الرحمن بالعودة إلى بلادهم بعد أدائهم فريضة الحج، حيث وفقهم الله لحج بيته الحرام، والطواف بالبيت العتيق، والوقوف بعرفة، والصلاة في المزدلفة، والمبيت بمنى، كما اكتحلت عيونهم برؤية الكعبة المشرفة، وزيارة مسجد الحبيب، صلى الله عليه وسلم والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه الكريمين، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

وبهذه المناسبة، فإننا نتقدم إلى أحبتنا ضيوف الرحمن بأصدق التهاني والتبريكات، بمناسبة أدائهم لفريضة الحج وعودتهم سالمين غانمين إلى بلادهم، حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، تقبل الله منا ومنكم الطاعات، وبهذه المناسبة فإنني أبشركم بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تثوب، فقال: “يا بلال، أنصت لي الناس”، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس، فقال:”يا معشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام، آنفاً، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المعشر الحرام، وضمن عنهم التبعات”، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاصة؟ قال: “هذا لكم، ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة”، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب (أخرجه ابن المبارك).

ونحن هنا نذكر بعض النصائح والتوجيهات لأحبابنا ضيوف الرحمن، بعد عودتهم سالمين غانمين والحمد لله كي يعرفوا فضل الله عليهم، وليستمروا في طريق الطاعة والإيمان:

 

نعم الله

 

لقد تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الشكر في عشرات الآيات، كما وذكرت الأحاديث الشريفة أن رسولنا صلى الله عليه وسلم، كان الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة في الشكر لخالقه عز وجل، فقد قام صلى الله عليه وسلم، الليل مصلياً وداعياً حتى تورمت قدماه، وعندما سُئل، صلى الله عليه وسلم، لِمَ كل ذلك يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فكان جوابه عليه الصلاة والسلام: “أفلا أكون عبداً شكوراً، ومن المعلوم أن اله عز وجل قد وعد الشاكرين بالمزيد من نعمه وخيره وعطائه، فقال سبحانه وتعالى:”لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (سورة إبراهيم الآية (7). لذلك يجب عليك أخي الحاج أن تشكر الله على نعمه العظيمة التي لا تُعد ولا تُحصى، ومنها أن وفقك لأداء فريضة الحج، حيث أديت شعيرة الحج وعدت سالماً غانماً بفضل الله عز وجل.

طريق إلى الجنة

من المعلوم أن الحج من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال: “إيمان بالله ورسوله”، قيل: ثم ماذا؟ قال: “جهاد في سبيل الله” قيل: ثم ماذا؟ قال: “حج مبرور” أخرجه البخاري، كما بشر صلى الله عليه وسلم، من حج واجتنب المحظورات بغفران ذنوبه فقال صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه (أخرجه البخاري).

وأخبرنا، صلى الله عليه وسلم بثواب الحج المبرور، فقال صلى الله عليه وسلم: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (متفق عليه)، والحج المبرور هو المقبول الذي راعى فيه صاحبه شروط صحة العمل وشروط قبوله، ومن علاماته أن يعود الحاج أفضل مما كان عليه، وأن يتجنب المعاصي والآثام، وأن يفتح صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى، فعليك أخي الحاج أن تحافظ على صحيفتك البيضاء، فلا تسودها بالمعاصي والذنوب، بعد أن أكرمك الله بفضله وكرمه بالحج المبرور.

أخي الحاج: من فضل الله عليك خلال فترة الحج، أن وفقك الله سبحانه وتعالى لفعل الكثير من الطاعات، وأداء الصلاة في أوقاتها، وأدائها مع الجماعة، كما كنت بفضل الله واسع الصدر، لين الجانب، كريم الخلق مع زملائك، وكنت سخياً كريماً، فالواجب عليك أن تواظب على طاعة الله ورسوله في كل وقت، فإن الله يحب من العمل أدومه وإن قل، فإياك أخي الحاج أن تنقطع عن العبادة بعد الحج، وعليك أن تعلم بأن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على موسم الحج فحسب، بل عامة في جميع الأوقات، لذلك يجب عليك أن تحرص على تلاوة القرآن، وفعل الخيرات، وأداء الصلاة جماعة في المسجد، والاستمرار في هذه الطاعات والقربات بعد الحج.

التوبة

إن التوبة إذا تحققت على وجهها كان ثوابها جزيلاً، وكان أجرها عظيماً، ويكفي للدلالة على ذلك قوله تعالى: “إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”(سورة الفرقان الآية (70)، وعند دراستنا للسنة النبوية الشريفة نقرأ حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: (يأيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة) (أخرجه مسلم)، كما ويبين، عليه الصلاة والسلام، رحمة الله الواسعة، وفضله الكبير على عباده، ففي الحديث الذي يرويه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبيٌ، فإذا امرأة من السبي تبحث عن صبيها، وكان ضائعاً، فلما وجدته أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر ألا تطرحه: فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها) (أخرجه الشيخان).

فهذا الحديث الشريف يطمئن المسلمين بأن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، يفتح لهم باب توبته كي يعودوا إليه معترفين بذنوبهم، طالبين المغفرة والعفو منه سبحانه وتعالى.

وحيث إنك أخي الحاج قد تبت توبة نصوحا، وأقلعت عن المعاصي، وندمت على ما فات، وعقدت العزم على عدم العودة إلى ارتكاب المعاصي، فعليك أن تحافظ على توبتك، وإياك أن تخدشها بالعودة إلى ارتكاب المعاصي والذنوب، وعليك أن تتجنب مجالس اللهو والفجور والغيبة والنميمة والطعن في أعراض المسلمين ، واحذر الكذب والشتم واللعن وقول الزور... إلى غير ذلك من المعاصي والموبقات.

لقد مدح الله عز وجل المؤمنين في كتابه الكريم فقال: “رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ” (سورة النور الآية (37)، فهم دائماً في طاعة 
الله عز وجل، كما أنهم مواظبون على حضور مجالس العلم والذكر وتلاوة القرآن الكريم، لأنها المجالس التي تؤمها الملائكة الكرام.

الدكتور يوسف جمعة سلامة

خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,836