أثارت الفتوى التى أصدرتها لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، بأنه يجوز فرض الزكاة وملاحقة الممتنعين عنها ومحاربتهم في حالة امتناعهم عن أدائها وتوجيه حصيلتها للانفاق على الفقراء وتغطية النفقات العامة، جدلا حادا بين العلماء والفقهاء لتعارضها مع مقتضايات الحياة المعاصرة ووجود صعوبات تحول دون التنفيذ. وحول ركن الزكاة، أوضح عدد من علماء جامعة الازهر أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وأنها عبادة مالية، جاء الأمر بها قرينا بأمر الصلاة في أكثر من موضع بالقرآن مثل قوله تعالى: “أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة”.

عمرو أبوالفضل - عن شؤون الزكاة ووضع القوانين التي تنظم ذلك، أشار الدكتور محمد عبدالحليم عمر أستاذ المحاسبة بجامعة الازهر، إلى أن الزكاة حق الله سبحانه وتعالى في المال، لأنه عز وجل، المالك لكل شيء ورزق العباد بالمال ويسر لهم سبيل تحصيله، ويقول انه سبحانه يأخذ الصدقات في قوله تعالى: “ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات”، موضحاً أنه تعالى غني عن الخلق وأمرهم، بأن يعطوا حقه في المال إلى عباده المحتاجين لقولـه تعالى: “واتوهم من مال الله الذي اتاكم”، ولذا جاء قول علماء الإسلام “إن حق الله في التصور الإسلامي هو حق المجتمع” وحيث أن الحكومة مسؤولة عن شؤون المجتمع، لذا يصبح من واجباتها العمل على تحصيل حق الله في مال الأغنياء وتوصيله إلى المحتاجين من أبناء المجتمع من خلال القوانين التي تنظم هذا الحق.

صدقة تطهرهم

 

وأضاف أن الله سبحانه وتعالى قال لرسوله، صلى الله عليه وسلم،: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”، موضحاً أن الخطاب عام وليس خاصا للنبي عليه الصلاة والسلام، وعلى الجهات المسؤولة طبقا لهذا الأمر الإلهي عليها واجب القيام بشؤون الزكاة جمعا وتحصيلا، مبينا أن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الحكام في عصر الحضارة الإسلامية قاموا بهذه المهمة ويحفظ لنا التاريخ أنهم نظموا ذلك وأنشأوا المؤسسات لإدارة الزكاة مثـل ديوان الزكاة وبيت مال الزكاة.

 

وقال إن الزكاة حق معلوم تتطلب أسسا وقواعداً، تحدد المال المزكى وقدر الزكاة فيه، ومن تصرف إليهم الزكاة، معتبرا أن الزكاة تمثل أهم الأدوات المالية لمعالجة مشكلة الفقر والاحتياج ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل الزكاة موردا إلزاميا ثابتا ومستمرا.

وأشار الى أن الفقر يتزايد في العصر الحاضر على مستوى العالم، خصوصا المجتمعات الاسلامية، لافتا الى ضرورة قيام الجهات المسؤولة بشؤون الزكاة، لأن تعطيلها عاقبته تلف المال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة”، كما تقع العقوبة الإلهية على المجتمع الذي لا يهتم بالزكاة ولا يؤديها لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “ما منع قوم الزكاة إلا أصابهم الله بالسنين” أي القحط والمجاعة.

مقاصد الزكاة

ورداً على سؤال حول أهداف الزكاة، قال الدكتور يوسف إبراهيم يوسف أستاذ الاقتصاد الإسلامي ومدير مركز صالح كامل إن مقاصد الاسلام من الزكاة اصلاح المجتمعات وتحقيق أهداف روحية ونفسية واجتماعية، مصداقا لقوله تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم”، مشيرا إلى أن الزكاة تطهر المسلم والابدان والمال وتزكي الأنفس من العبودية للمال وتربيها على التسامح والرحمة، وأن الإسلام يرفض أن تكون الزكاة وسيلة لامتهان الفقراء،وأن الدين الحنيف حرص على أن يأخذ المحتاجون حقهم من الاغنياء وفق ضوابط تضمن عدم امتهان كرامة الفقراء واشعارهم بالاحسان والتفضل عليهم.

نظام مالي

وباعتبار الزكاة نظاماً مالياً، بين الدكتور يوسف، أن عظمة الإسلام تتجلى في جعله الزكاة نظاما ماليا يؤدي إلى خلق توازن بين طبقات المجتمع، فهي علاقة بين الغني وربه من ناحية، كما جعلها علاقة بين الغني والدولة من ناحية ثانية حيث تجمعها منه، وقال انها أيضا علاقة بين الدولة وأصحاب الحقوق، تنفقها عليهم طبقا لمصارفها التي جاءت في قوله تعالى: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” 60 التوبة.

واوضح أن رعاية مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة، تدخل في نطاق إنفاق الزكاة في سبيل الله، مؤكدا انه يجوز للحاكم فرض الزكاة لدعم الاقتصاد الوطني وتوجيه حصيلتها للانفاق على الفقراء والمحتاجين بناء على فهم العلة المقصودة منها وهي تحصيل درجة كفاية للمحتاجين.

وعن الضوابط الشرعية لتقنين التطبيق الإلزامي للزكاة على مستوى الدولة يقول الدكتور حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الازهر إن الزكاة فرضت في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم وطبقت ووضعت لها القواعد الشرعية والنظم الإدارية والمالية، وسار على هذا المنهج الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من ولاة أمور المسلمين، مبينا أنه بعد ضياع الخلافة الإسلامية ودخول أعداء الإسلام البلاد الإسلامية بدلوا الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية، وتم تطبيق نظام الضرائب والجمارك والرسوم ونحوها محل نظام الزكاة والنظم المالية الإسلامية المختلفة، وإنقسمت الدول الإسلامية من منظور تقنين تطبيق الزكاة إلى دول إسلامية تطبق نظام الزكاة على مستوى الدولة ولاتطبق نظما ضريبية، ودول إسلامية تطبق الزكاة ونظم الضرائب معا على مستوى الدولة، ودول إسلامية لا تطبق نظام الزكاة وتطبق نظما ضريبية فقط.

توزيع الزكاة

وأوضح أن الدول الإسلامية التي لا يوجد بها تشريع للتطبيق الإلزامي للزكاة على مستوى الدولة يترك أمر الزكاة إلى الأفراد أنفسهم أو إلى الجمعيات والهيئات والمؤسسات والمراكز الخيرية الاجتماعية تحت إشراف غير مباشر من الدولة، مشيرا الى أن كثيرا من المسلمين اعتقدوا خطأ أن الضريبة هى الزكاة، وأهملت فريضة الزكاة، وأصبح الباعث على دفعها طواعية هو الإيمان والخشية من الله سبحانه وتعالى.

وقال إن الحكمة الشرعية من مسؤولية ولي الأمر بتطبيق الزكاة على مستوى الدولة تتمثل في قيام الجهات المسؤولة بتحصيل الزكاة وتوزيعها على مستحقيها بالحق وذلك فيه حفظ لكرامة الفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم والغارمين وتحرير الرقاب وابن السبيل وفي هذا تكريم للعنصر البشري باعتبار الزكاة حقهم مصداقا لقوله تعالى: “والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم” 25 المعارج، موضحا أن هناك بعض الأفراد ماتت ضمائرهم، وضعف إيمانهم، ولا يقومون من تلقاء أنفسهم بإيتاء الزكاة، فلابد من رادع لهم للمحافظة على الهيكل الاجتماعي والاقتصادي للدولة الإسلامية، وهذا الرادع يجب أن تكون له سيادة وسلطان ولا يكون إلا للجهات المسؤولة.

إضاءة

عن معوقات ومشكلات التطبيق الإلزامي للزكاة، يقول الدكتور حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الازهر إن تطبيق نظام زكاة المال ليس أمرا سهلا، بل يقابله العديد من المعوقات والمشكلات أهمها معاناة المجتمعات الإسلامية قلة الوازع الديني، وتسلط المادية وسوء السلوكيات عند البعض، وضعف الروابط الأسرية والاجتماعية نتيجة ضعف القيم والأخلاق.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,689