الإمام ابن سعد أحد الأئمة الأعلام، وله اليد الطولى في السيرة والرواية والتاريخ والفقه، ومن أفضل علماء عصره في الحديث وعلومه، وخلف مصنفات فريدة اعتنى بها الدارسون والباحثون.
مكانة رفيعة
ويقول الدكتور عادل عبدالشكور من علماء الازهر الشريف، ولد محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، وكنيته “أبو عبدالله البصري”، والمعروف بابن سعد، وبكاتب الواقدي، لكونه لازم شيخه محمد بن عمر الواقدي زمناً طويلاً، وكتب له، في البصرة سنة 168 هـ، ونشأ بالبصرة، واتجه الى طلب العلم وهو صغير فأخذ علوم اللغة العربية والفقه والحديث والتاريخ والسير عن مشاهير علمائها، وأراد الاستزادة من التحصيل وطلب العلم، فسافر إلى بغداد وسكنها ولازم فيها شيخه محمد بن عمر الواقدي، ورحل إلى الكوفة، وتتلمذ على يد ابن مهدي والطيالسي وأبي عاصم النبيل، والمدينة النبوية ومكة المكرمة، والتقى علماءهما، وأخذ العلم عن كبار مشايخ عصره، ومنهم سعيد بن سليمان الضبي المعروف بسعدويه، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن حرب البجلي قاضي مكة، وشعيب بن حرب الخراساني، وعبدالله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وعبدالله بن وهب بن مسلم المصري الفقيه، ومحمد بن عمر بن واقد الواقدي، ويحيى بن سعيد القطان البصري.
وأضاف، لما تضلع فى العلم جلس للتدريس، وخلف أستاذه الواقدي في حلقته بعد وفاته، وأقبل عليه الطلاب، وبلغ مكانة علمية رفيعة ومنزلة مرموقة، وذاع صيته وطافت شهرته الآفاق، وتتلمذ على يده الكثيرون من النجباء المحققين، منهم أحمد بن عبيد بن ناصح البغدادي النحوي المعروف بأبي عصيدة، وأحمد بن يحيى جابر البلاذري المؤرخ، وأبو بكر بن أبي الدنيا البغدادي، والحارث بن محمد بن أبي أسامة البغدادي صاحب المسند، والحسين بن محمد بن عبدالرحمن بن فهم.
عالم ورع
وأشاد بعلمه وورعه العلماء وأثنوا عليه، فقال عنه تلميذه الحسين بن فهم: كان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب. ووصفه الخطيب البغدادي بأنه كان من أهل العلم والفضل. وقال ابن النديم: كان ثقة مستوراً عالماً بأخبار الصحابة والتابعين. وقال ابن خلكان: كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلاء، وكان صدوقا ثقة. واعتبره الخزرجي: أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحررين. وقال الذهبي: كان من أوعية العلم، ومن نظر في الطبقات خضع لعلمه.
وأشار إلى أن ابن سعد واحدا من كبار الحفاظ وأوعية العلم العظام، كان كثير الحديث والرواية، واسع المعرفة، كثير الكتب، روى الحديث والغريب، والفقه، واشتهر بكتابة السير والمغازي، وكان مصدر ثقة لكثير من العلماء والكتاب في العصور التي تلته، وخلف مصنفات علمية كثيرة في مختلف صنوف العلوم الشرعية واللغوية والتاريخ منها “الزخرف القصري في ترجمة أبي الحسن البصري” أي الحسين بن يسار، و”القصيدة الحلوانية في افتخار القحطانيين على العدنانيين”، و”الطبقات الصغرى”، و”أخبار النبي صلى الله عليه وسلم”، و”الحيل”.
تاريخ ثقافي
وذكر أن كتابه “الطبقات الكبرى” الذي كان يُعرف باسم “كتاب الطبقات الكبير”، من أقدم ما كتب في التاريخ الثقافي للمدينة النبوية في القرنين الأولين من الهجرة، ومن أهم المؤلفات التي تناولت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سلك فيه منهج ابن إسحاق في دراسة السيرة، حيث يقدم للأحداث والأخبار والغزوات بجمع أسانيده إليها، والمغازي والسير، وقد اعتمد عليه العلماء الذين صنفوا فى التأريخ والتراجم والاخبار والجرح والتعديل والانساب، كما تظهر أهمية الكتاب في تنوع مادته، وفي دقة مصادره، إذ اعتمد ابن سعد على منهج المحدثين، واستقى معلوماته المتنوعة من مصادرها المتخصصة التأريخية، وعرضها بأمانة علمية متناهية حتى الأخبار المتعلقة بالأوصاف الشخصية.
وقال إن هذا الكتاب يتكون من أجزاء، الأول والثاني خصصهما للسيرة النبوية، والاجزاء التالية تناولت الصحابة والرواة إلى عصره، وخصص الجزء الأخير للنساء. وعني بذكر الصحابة الذين انتشروا في الأقاليم بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- فبدأ بالمدينة ثم مكة ثم الطائف ثم اليمن ثم اليمامة ثم البحرين ثم الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وخراسان والري وهمذان وقم والأنبار والشام والجزيرة ومصر وغيرها.
معلومات دقيقة
ولفت الدكتور عادل عبدالشكور من علماء الازهر الشريف، إلى أنه قدم معلومات وافيه ودقيقة عن المترجم، من حيث اسمه ونسبته وكنيته ولقبه ونسبه من جهة أبيه وأمه، ويذكر أولاده من بنين وبنات مع ذكر أمهاتهم وسرد النسب، كما قد يذكر المهنة التي يزاولها المترجم أو الوظائف الإدارية أو القضائية التي كان يشغلها، وقد يُحدد المكان الذي سكن فيه المترجم، ورحلاته إلى الأمصار وكل ما يتعلق بصفاته الخلقية أو الخلقية أو أحواله الدالة على مكانته العلمية، أو على عقيدته وأقواله في الزهد والورع والاجتهاد في العبادة، ويستعرض الأحداث التي وقعت له، ويهتم بوصف المظهر الخارجي لصاحب الترجمة، فيبين نوع الخضاب الذي يخضب به شعره ولحيته، ونوع الثياب والعمامة التي يرتديها، ونوع الخاتم الذي يتختم به وصيغة نقشه.
وأشاد العلماء بهذا الكتاب، فقد قال الخطيب البغدادي: صنف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتابعين، وتابعيهم إلى وقته فأجاد فيه وأحسن، وقال حاجي خليفة: كتاب الطبقات أعظم ما صنف في طبقات الرواة.
واختلفت المصادر في تأريخ وفاة ابن سعد وقيل انه توفي رحمه الله ببغداد، الأحد 4 جمادى الآخرة سنة 222، وذكر ابن أبي حاتم: انه مات سنة 236، ورجحت المصادر انه توفي ببغداد سنة 230 هـ، ودفن في مقبرة باب الشام.
ساحة النقاش