بدأ العد التنازلى لنهاية فترة المائة يوم التى حددها الرئيس محمد مرسى لنفسه ولناخبيه، لإنجاز عدد من المهام والملفات، على رأسها استعادة الأمن، وحل مشكلات المرور ورغيف العيش والوقود.
ومع العد التنازلى بدا أن منحنى شعبية الرئيس فى تراجع وهبوط مستمرين، وسط توقعات بمزيد من التدهور فى تلك الشعبية، وهو ما ترصده تقارير بحثية وميدانية، وتؤكده على أرض الواقع عودة ظاهرة الاحتجاجات الفئوية وتصاعدها ووصولها إلى حافة «العصيان المدنى»، بالإضراب الموسع بين سائقى النقل العام، والمعلمين، وتهديد الأطباء بالإضراب مطلع أكتوبر المقبل، والأكثر من ذلك أن رصيف مجلس الوزراء والبرلمان استعاد مشاهد الأيام الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، حين كان قد تحول إلى «قبلة» لأصحاب المطالب الفئوية من مختلف أنحاء الجمهورية.
التراجع «المبكر» فى شعبية الرئيس تعددت أسبابه، وتنوعت ما بين أدائه الشخصى فى العديد من الأزمات والملفات، وبين أداء المحيطين به من مساعدين ومستشارين ومتحدثين رسميين، فضلا على أداء الجماعة التى ينتمى إليها «الإخوان المسلمون»، وتراجع شعبيتها هى الأخرى فى الشارع المصرى، فى مقابل إدراك العديد من القوى والتحالفات السياسية أن نقطة البدء لانتزاع صدارة المشهد السياسى من الجماعة تتمثل فى العمل من بين الجماهير، وليس من خلف «مكاتب مكيفة» أو من داخل «الغرف المغلقة».
وبيده لا بيد الآخرين يتسبب الرئيس مرسى يوما بعد الآخر فى إضعاف شعبيته، فأداؤه فى العديد من المواقف والأحداث اتسم بالغموض، وافتقد الشفافية التى تعهد فى حملته الانتخابية بأن تكون حاكمة لسياساته. وكان أبرز المواقف الدالة على ذلك قراره المفاجئ بإحالة كل من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق المشير محمد حسين طنطاوى، ونائبه رئيس الأركان السابق الفريق سامى عنان إلى التقاعد، واختيار اللواء عبدالفتاح السيسى بعد ترقيته إلى رتبة الفريق أول خلفا لطنطاوى، والفريق صبحى صدقى خلفا لعنان، دون أن يعلن للرأى العام أسباب استبعاد المشير والفريق، أو دوافع اختيار خليفتيهما، ومن قبلهما إحالة مدير المخابرات السابق اللواء مراد موافى، واختيار اللواء رأفت شحاتة قائما بأعمال مدير المخابرات، ثم تعيينه بشكل رسمى مديرا للمخابرات، وترك الباب مفتوحا أمام الاجتهادات فى تفسير تلك الأسباب، حتى خرجت عشرات التفسيرات ما بين حديث عن توافق على هذه التغييرات و«تكريم» للمستبعدين، وحديث مقابل عن «انقلاب مدنى ناعم» و«خروج مهين» للمبعدين، وثالث عن دعم أمريكى للتغييرات، ورابع عن مفاجأة الجميع بها فى الداخل والخارج، وخامس عن خطة لـ«أخونة مؤسسات الدولة» وفى القلب منها المؤسسة العسكرية.
اختيار طنطاوى وعنان مستشارين للرئيس، ومنحهما قلادة النيل جاء ليضفى مزيدا من الغموض على القرار الرئاسى، واكتمل الأمر بمشهد أداء رئيس المخابرات الجديد اللواء رأفت شحاتة اليمين القانونية أمام كاميرات التليفزيون، فهى المرة الأولى التى تذاع فيها مثل هذه المناسبة بحسب خبراء أمنيين، وهى المرة الأولى التى يعرف فيها المصريون نص قسم مدير مخابرات بلادهم، وهى المرة الأولى التى يشاهدون فيها مسؤولا رسميا يحلف على المصحف، فى قسم غابت عنه العبارات التقليدية «أقسم بالله أن أكون مخلصا للنظام الجمهورى وأن أحافظ عليه»، وحلت محلها عبارات «أقسم بالله العظيم، وبكتابه هذا أن أكون مخلصا لجمهورية مصر العربية مؤمنا بمبادئها، وأن أعمل جاهدا على تحقيق أهدافها وخدمة شعبها، وأن يكون ولائى كاملا لرئيس الجمهورية»، ولم تبدد تصريحات المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية الدكتور ياسر على بأن مراسم أداء قسم رئيس المخابرات بالشكل الذى أداه «شحاتة» أمام «مرسى» متعارف عليها منذ عهد السادات- المخاوف من أن يكون «مصحف شحاتة»، وقسمه على «الولاء» للرئيس، صفحة جديدة فى محاولات الرئيس «الإخوانى» السيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية وأخونتها، وهى مخاوف كان طبيعيا أن تساهم بدورها فى زيادة تراجع شعبية الرئيس.
فى فترة «قليلة» من حكمه سافر الرئيس مرسى «كثيرا» إلى «خارج» البلاد، متجاوزا «داخل» مضطرب، كان متوقعا أن يتركز عليه أداؤه، وألا تغيب عنه عين أول رئيس منتخب للبلاد بعد ثورة أطاحت بنظام سابق كان الشعب يأخذ عليه – من ضمن مئات المآخذ – ارتباط بوصلته بالخارج، أكثر من اهتمامها بمطالب وهموم الداخل، ففى أقل من شهرين حطت طائرة الرئيس مرسى فى مطارات الرياض، وأديس أبابا، وطهران، وبروكسل، وروما، وهى تستعد للإقلاع متجهة إلى نيويورك حيث اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفى رحلاته إلى كل من الصين «شرقا» وأوروبا «شمالا» كان الحديث عن المساعدات المادية يعيد إلى الأذهان أحاديث أركان النظام السابق عن أن جولات رأس نظامهم «مبارك» فى الخارج لم تكن تستهدف سوى ضخ المزيد من مساعدات الدول التى كان يقصدها بزياراته إلى الخزينة المصرية. وفى الحالين «مبارك» و«مرسى» لم يجن المصريون شيئا على أرض واقعهم الذى يزداد تدهورا يوما بعد الآخر، وازدادت المخاوف مع إعلان مرسى وحكومته طلب قرض من صندوق النقد الدولى بـ4,8 مليار دولار، وسط تحذيرات من الخبراء من أن مثل تلك الخطوة من شأنها إضافة المزيد من الأعباء على عاتق المواطنين، وزيادة الأسعار، فضلا على زيادة الديون الخارجية على البلاد.
قبل ما يقارب الثمانين يوما كان مشهد الرئيس المنتخب وهو يؤدى الصلوات فى المسجد مؤثرا، ولمس قلوب المصريين كثيرا الحديث عن أن الرئيس يوقظ حراسه ويصطحبهم إلى صلاة الفجر «جماعة»، كما تحركت قلوبهم وهم يرون رئيسهم يبكى وهو يستمع إلى آيات الذكر الحكيم، ودعوات الخطباء له بأن يقتدى بعمر بن الخطاب فى حكمه، لكن المشهد أو المشاهد المتكررة لصلاة الرئيس ما لبثت أن تحولت إلى تأثير عكسى، مع ظهور عشرات الحراس حول الرئيس وهو يؤدى الصلاة بين يدى الله، سواء فى مساجد بداخل مصر أو خارجها، وزاد من التأثيرات السلبية تصاعد الإجراءات الأمنية حول الرئيس حين يذهب لأداء الصلاة، بوضع أبواب إلكترونية على مداخل المسجد، أو تكثيف التواجد الأمنى فى محيطه، وصلاة بعد الأخرى وسط الحراس واصل منحنى شعبية الرئيس هبوطه.
يدرك المواطنون المصريون العاديون من غير النخبة أن بداية الطريق الصحيح للشعور بتحقيق ثورتهم أهدافها هو فى تحسين أحوالهم المعيشية، وليس فى تدشين هذا الحزب أو تلك الحركة، ومع صعود جماعة الإخوان المسلمين ومرشحها الدكتور محمد مرسى إلى سدة الحكم، اتسعت دائرة الأمانى والطموحات، بحدوث هذا التحسين مع «مشروع النهضة» الذى روجت له الجماعة وأركانها، لكن الأمر ما لبث أن تحول إلى سجال فكرى – لا يحبه المصريون العاديون، ويديرون وجوههم فى الغالب عنه وعن أصحابه – حول ماهية «النهضة»، وما إذا كانت مشروعا فكريا أم اقتصاديا، وما إذا كانت طائرا أم كائنا يلد، وما إذا كان المشروع موجودا من الأساس أم مجرد دعاية انتخابية ذهبت مع إعلان نتائج الصناديق. وبتصريحات متناقضة لقيادات بارزة بجماعة الإخوان المسلمين حول «النهضة» أخذ منحنى شعبية الرئيس فى مزيد من الهبوط.
تحدث الدكتور محمد مرسى كثيرا فى فترة «الترشح» وبداية فترة «الولاية» عن «المشاركة لا المغالبة»، وعن سعيه إلى تشكيل فريق رئاسى معبّر عن مختلف أطياف الشعب، ويضم ممثلين للمرأة والأقباط، وطال الانتظار لإعلان هذا الفريق دون إعلان أسباب تأخيره، ثم جاء الإعلان وكأن شيئا لم يكن، فاختيار الهيئة الاستشارية بدا أنه غلب عليه المنطق الوظيفى وليس السياسى، والمستشارون جاءوا بلا مهام محددة، ولم يتسلموا حتى مكاتبهم إلى اليوم، وبالتوازى معهم جاء اختيار المستشار محمود مكى نائبا للرئيس دون إعلان لأسباب عدم اختيار نواب من المرأة والأقباط.
الأحداث فى سيناء كانت واحدة من أسباب هبوط مؤشر شعبية الرئيس فى بورصة الشارع المصرى، والتى فتحت الباب عن الحديث حول اتفاقية كامب ديفيد فهى كما هى، كما أن الحديث عن إنجاز فى مواجهة المتطرفين على أرض شبه الجزيرة والدفاع عنها يجافيه استمرار المواجهات والتحرش الصهيونى بالحدود المصرية دون رد حاسم، ومع الصمت إزاء تلك التحرشات جاء تصعيد القبضة الأمنية فى مواجهة المتظاهرين فى محيط السفارة الأمريكية ردا على الفيلم المسىء للرسول، ومع التسليم برفض الاعتداءات على السفارات والبعثات الدبلوماسية لدى البلاد، فإن مشهد قوات الأمن وهى تلاحق المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والضرب أعاد للأذهان مشاهد محمد محمود، ومجلس الوزراء، وماسبيرو، كما بدأ الحديث عن استعادة نظام مرسى لممارسات نظام مبارك، بحديثه عن القلة التى تثير الفتن وتحرك المحتجين، وكذلك حديثه عن الاحتجاجات التى تغلق المصانع والشركات ومطالبة أصحابها فى الوقت نفسه بالمكافآت وزيادة الأجور، وسؤاله ساخرا: «ماذ نفعل لهم ؟ هل نطبع لهم فلوس؟!»
الشاهد أن شعبية الرئيس مرسى أصبحت فى خطر واضح قبل نهاية المائة يوم الأولى من حكمه، حتى إن موقع «مرسى ميتر» رصد فى آخر تقرير له أن نسبة رضا الناس عما تم تنفيذه فى عهده أصبحت لا تتجاوز الآن %43.
المصدر: اليوم السابع
نشرت فى 24 سبتمبر 2012
بواسطة alsanmeen
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,305,998
ساحة النقاش