يُقال إن العتاب صابون القلوب، وإن العتب على قدر المحبة، ولا يعاتبك إلا من يحبك، ولكن كثرة المعاتبة قد تسبب الجفاء وإعراض الآخرين عنا.
قال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما رجل عجوز من الحيّ، فقال لهما عجوز: أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجنّي، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة، فقلت للعجوز: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر، فقلت له: ما أفادك الدّهر؟ قال: العلم به، قلت: فماذا رأيت أحمد؟ قال: أن يبقى المرء أحدوثةً حسنة بعده. قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك العجوز وصلّيت عليه.
وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودّتك من عارض يغيرّه وعتابٍ يقدح فيه، وأؤمّل نائياً من رأيك يغني عن اقتضائك.
وقال حكيم: تأنّينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقّبنا انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من خيرك، وكشف لنا الصبر عن وجه الغلظ فيك، فها نحن قد عرفناك حقّ معرفتك في تعدّيك لطويل حقّ من غلظ في اختيارك.
وقال الشاعر:
فأيّهما يا ليل إن تفعلـي بنـــا فآخر مهجــورٍ وأول معتــب
وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب: يجب على المرؤوس إذا تجاوز به الرئيس حقّ مرتبته بعلمه، وكان تفضيله إنما وقع له بخفته على القلب ومحلّه من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محامياً على محلّه، وإلا فلن يؤمن عليه.
تمثل شريح لامرأته بقول مالك بن أسماء:
خُذي العَفــوَ مِنّي تَســتَديمي مَوَدَّتي
وَلا تَنطُقي في سَـــورَتي حينَ أَغضـَبُ
فَإِنّي رأيت الحُـبَّ في الصَـدرِ وَالأَذى
إذا اجتَمَعا لَم يَلبـــث الحـُبُّ يَذهَبُ
وقال:
يـراك ويهـــوى مــن يقـــل خلافــه
وليــس بحبـوبٍ حــــبيـبٌ يخالــف
وقيل إن البيتين لأبي الأسود الدؤلي مع اختلاف في رواية البيت الثاني وجدت بدل رأيت.
وعَتَبَ عليه يَعْتِبُ ويَعْتُبُ عَتْباً وعِتاباً ومَعْتِـبَة ومَعْتَبَةً ومَعْتَباً أَي وجد عليه، وعاتَبهُ مُعاتَبَـةً وعِتاباً: كلُّ ذلك لامه.
قال ابن الرومي:
خذ العفو واصفح عن أخٍ بعضَ عيبه
إذا ما بدا وارفق بمــن أنــت غامــزُ
فإن هــو أدّى بعــض حقـك فأرضـه
فليــس بمغبـــــــونٍ أخٌ متجــــــاوزُ
ولا تحتــقر للدهـــــــر كــنزاً تُعـــدُّهُ
فــقد يكنــــزِ المتـــزورَ للدهر كانــزُ
ساحة النقاش