إن مجرد مشاهدتك لعمل معين يقوم به شخص آخر كاف لخلق حالة في ذاكرتك تجعلها تتوهم أنك أنت من يقوم بهذا الفعل وتستجيب على هذا الأساس، هذا ما أظهرته دراسة حديثة نُشرت في العدد الأخير من مجلة “علم النفس”. فقد طلب باحثون من 60 طالباً يدرسون في جامعة ألمانية أن يقوموا بمجموعة من الأفعال، وينفذوا عدداً من التعليمات من قبيل “رج قنينة ماء”. ثم قام هؤلاء الباحثون بإعطاء الطلبة أنفسهم مجموعة مختلفة من الأوامر والتعليمات، منها ما سبق لهم مشاهدته، ومنها ما لم يسبق لهم معاينته. وفي كل واحدة من التعليمات التي تلقوها، يُؤمر كل طالب بأحد هذه الأشياء. إما بقراءة نص الأمر، أو فك رموز نص الأمر في نسخته المبعثرة، أو تخيل قيامه للفعل الذي أُمر به، أو مشاهدة مقطع فيديو لشخص يقوم بالفعل ذاته.
وبعد مرور أسبوعين، طلب الباحثون من الطلبة تذكر الأفعال التي قاموا بها، وتلك التي لم يقوموا بها. فتبين لهم أن الطلبة حسبوا خطأً أنهم قاموا بنحو 23% من الأفعال التي كانوا قد شاهدوها في الواقع على مقاطع فيديو. كما ادعى الطلبة المشاركون في الدراسة أنهم قاموا بقرابة 33% من الأفعال التي كانوا قد تخيلوها فقط. ومن جهة أخرى، سجل الباحثون أن قراءة الطلبة لنصوص التعليمات أدى إلى تكوين ذاكرات خاطئة لزهاء 1% من الأفعال. وخلال إجراء دراسة مماثلة مع طلبة كنديين، وجد الباحثون أن مثل هذا “التضخم في الملاحظة” حدث حتى عندما تم إنذار الطلبة وتنبيههم صراحة بألا يخلطوا بين الأفلام التي يشاهدونها والأفعال التي يقومون بها حقيقةً. وعلق الباحثون على النتائج بالقول إن ارتفاع معدل تضخم الملاحظات قد يكون نابعاً من الميل البشري اللاشعوري لاستنساخ أفعال الناس الآخرين. ولكنهم أضافوا أنه يبقى من غير الواضح ما إذا كان ارتفاع معدل الذكريات الخاطئة يحدث أيضاً في الواقع اليومي المعيش خارج مختبرات البحث، حيث تكون الأفعال أكثر تعقيداً والسياقات أكثر تشعباً.
وفي موضوع ذي صلة، أشارت دراسة سابقة إلى أن بعض الذاكرات لا تستطيع أحياناً التمييز بين ما وقع للشخص في الواقع، وما وقع له في أحلامه. فهي قد تخزن جميع الأحداث دون تمييز وتصنيف المتخيل عن الواقعي.
ساحة النقاش