أحمد مراد

جاء الإسلام الحنيف بشريعة صالحة لكل زمان ومكان، ولما كانت الحياة البشرية تأتي بالجديد في كل عصر، سمحت شريعة الإسلام بالتجديد، واعتبرته أمرا ضروريا لا غنى عنه، لضمان حيويتها، واستمرار صلاحيتها على الدوام، وذلك بضوابط وشروط محددة لا تصطدم مع الأصول الشرعية، بهدف إحياء ما اندثر من الأحكام الشرعية الفقهية والعمل بها، وحتى لا ينحرف مسار الحياة البشرية.

التجديد يستلزم إحياء ما اندثر من الأحكام الشرعية الفقهية والعمل بها، وهو ما أكده عدد من العلماء حيث تظهر الحاجة إلى التجديد، إذا كانت المسائل من المستجدات الحديثة، والتي حدثت نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي والطبي.

إن تجديد الإسلام معناه تقديمه كما أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والتجديد يكون بالرجوع إلى الأصول والمصادر الشرعية المعتبرة، في الفهم والتطبيق حسبما قال الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الاسكندرية، ونفي الدكتور ما علق بالدين من البدع والمحدثات، ويجب ألا يفهم من تجديد الدين، استبدال الإسلام بدين آخر، أو تغيير بعض الأحكام القطعية الثابتة، أو إحداث أمور مخالفة للدين وقواعده ومقاصده، فإن هذا تبديد وليس تجديدا، ومن المجالات المهمة، التي تحتاج إلى تجديد ملح الفقه الإسلامي، إذ إن هذا الفقه ليس مجرد نظريات ميتة في الكتب، كنظريات الفلاسفة، بل هو فقه للحياة لأن الشريعة التي أنزلها الله عز وجل، أنزلها قانونا للحياة، ومعلوم أن الحياة لا تتوقف بل تأتي كل يوم بالجديد، ومن هنا كان القيام بعملية التجديد، أمرا ضروريا لا غنى عنه، لضمان حيوية الشريعة، واستمرار صلاحيتها عبر الزمان والمكان، وهذا ما فهمه أئمة الفقه الإسلامي الذين دونوا ذلك وسطروه في كتبهم، ومارسوه في اجتهاداتهم. ولقد ظل الفقه الإسلامي دهرا طويلا يلبي حاجات المسلمين ويعالج جميع القضايا التي يواجهونها في شتى البيئات والأوطان ومختلف الأجناس والألوان فترك لنا فقهاء الأمة ثروة فقهية ضخمة مزدهرة تمام الازدهار.

 

نصوص شرعية

 

أضاف، الدكتور إمام إن هناك العديد من النصوص الشرعية الدالة على مشروعية تجديد الدين، بل والآمرة به ومن هذه النصوص قوله تعالى: “وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” أي لعلمه العلماء الذين يستنبطون الأحكام التي يحتاجها المكلفون، وفي هذه الآية القرآنية دلالة على وجوب الاجتهاد في أحكام الحوادث، وذلك لأنه أمر برد الحوادث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته إذا كانوا بحضرته وإلى العلماء بعد وفاته، وهذا لا محالة فيما لا نص فيه، ولاريب أن هذا الأمر بالاجتهاد لمعرفة أحكام الحوادث، هو أمر بالتجديد إذ به يبقى الإسلام صالحا لكل زمان ومكان، ولمواجهة كل طريف وجديد كما أراده الله عز وجل.

مشروعية التجديد

وبين أنه من النصوص الدالة أيضا على مشروعية التجديد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها”، ولا يشترط أن يكون المجدد فردا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئا من أمور دينها في مجال من المجالات وإن كانوا جماعة، وهو نظير الطائفة المنصورة التي قال عنها الإمام النووي في شرحه على مسلم: “ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض”.

ويضاف إلى هذه النصوص قوله صلى الله عليه وسلم:”بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء” وفي رواية: قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: “الذين يصلحون إذا فسد الناس”، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عما سيؤول إليه الامر من غربة الإسلام واندثار الكثير من شرائعه حتى يعد من تمسك به غريبا، ثم مدح هؤلاء الغرباء وذكر من صفتهم أنهم يصلحون ما أفسد الناس وهذه هي حقيقة التجديد.

الإيمان

وقالت الدكتورة مهجة غالب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إن الإيمان عادة ما تعتريه بعض الفترات يضعف فيها، حتى يكون مثل الثوب البالي، ويحتاج إلى تجديد، ولاريب أن هذا التجديد يستلزم إحياء ما اندثر من الأحكام الشرعية الفقهية والعمل بها، فإن هذه الأحكام والعمل بها من الإيمان كما عليه مذهب أهل السنة والجماعة، ومن دواعي التجديد وجود أحكام بنى الفقهاء اجتهادهم فيها على العرف في السابق، وإن تغير العرف يقتضي تجديد الحكم السابق المبني عليه بمقتضى العرف الجديد لتتحقق مصلحة الناس في التعامل، وتظهر الحاجة إلى التجديد، إذا كانت المسائل من المستجدات الحديثة، والتي حدثت نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي والطبي، فقد استجدت كثير من المسائل والقضايا المستحدثة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد لمعرفة حكمها الشرعي في المجالات الطبية والمعاملات المالية الشائعة والعقود الحديثة وتكييف ما اشترط فيها من شروط.

الفهم الصحيح

وتضيف الدكتورة مهجة: من دواعي التجديد أيضا، جهل أكثر الناس بلغة العرب الفصيحة وبأساليبها في البيان مما أوجد حاجزا بين الناس وبين الفهم الصحيح لكثير من الأمور الواردة في النصوص، وكذلك فإن الأسلوب الذي كتبت به المؤلفات الفقهية القديمة أسلوب صعب الفهم على كثير من المعاصرين من المثقفين بل وحتى طلبة العلم، وهذه الصعوبة تظهر في فهم العبارات أو المصطلحات، أو معرفة المكان الذي يتناول فيه المؤلف حكم بعض المسائل مما يستدعي التجديد في ذلك بتقريبه من فهم الناس.

وتشير إلى أن هناك ضوابط عامة لابد أن تكون حاكمة لأي تجديد أولها التسليم والتعظيم للنصوص الشرعية، حيث أن صفة التسليم للنصوص الشرعية من أهم صفات أهل الإيمان، فإن أصل دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده المؤمنين الاستسلام والخضوع والانقياد، وثاني هذه الضوابط معرفة حدود العقل في تفسير النصوص الشرعية، حيث اهتم الإسلام بالعقل وأعلى شأنه، وليس ثمة دين يقوم على احترام العقل كالإسلام، وليس هناك من كتاب أطلق سراح العقل وأعلى من قيمته وكرامته كالقرآن الكريم، وكم في القرآن من قوله تعالى:” لعلكم تعقلون”. ويتمثل ثالث هذه الضوابط في معرفة اللغة العربية فلكي تفهم دلائل الكتاب والسنة على الوجه الصحيح لابد من معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم، والتي خاطب بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولهذا تواتر اعتناء علماء الأمة وأئمتها بلغة القرآن حتى يوضع خطاب الشارع في موضعه اللائق به شرعا. وتشدد د.مهجة على ضرورة معرفة مقاصد التشريع الإسلامي كاحد ضوابط التجديد في الإسلام، فمن فضل الله ورحمته على هذه الأمة أن شرع جميع الأحكام لمقاصد وغايات عظيمة مبنية كلها على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم.

تقدير المصالح والموازنة بينها

أكدت الدكتورة مهجة غالب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن معرفة مقاصد التشريع وغايات الأحكام تعين في تصور الأحكام تصوراً متكاملاً، ومن ثم يستطيع تقدير المصالح والموازنة بينها، والاجتهاد في النوازل، ووضع الأمور في مواضعها اللائقة بها شرعاً وعقلاً؛ ولهذا فصل العلماء في دراسة الضروريات والحاجيات والتحسينيات، ووضعوا قواعد لرفع الحرج ودفع الضرر، وقواعد لسد الذرائع والمصالح المرسلة، ونحو ذلك من المسائل، لكي تعين المجتهد في إنزال النصوص منازلها، وأخذها بمقاصدها، لكي يعصم الاجتهاد من الزيغ والانحراف.

صحة الاعتقاد

يؤكد الدكتور محمد أبوليلة الاستاذ بجامعة الأزهر أنه ليس كل الفقه يقبل التجديد فالأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أو التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، مثل وجوب الصلوات الخمس والصيام والزكاة والحج والشهادتين، وتحريم جرائم الزنا، والسرقة والمحاربة، وشرب الخمر والقتل وعقوباتها المقدرة لها، ونحو ذلك من الأحكام القطعية لا تقبل التجديد، أما الأحكام التي ورد فيها نص ظني الثبوت، أو الدلالة، أو الأحكام التي لم يرد فيها نص أو إجماع فهي التي تقبل التجديد.

ويشير إلى أن التجديد عملية لا ينهض بها إلا الراسخون من العلماء ولذا كان لابد أن يتصف المتصدي لها بصفات محددة، أهمها صحة الاعتقاد إذ أن التجديد لابد أن ينطلق من صحة في الاعتقاد، بحيث يكون لديه مذهب أهل السنة والجماعة في جميع ذلك وهو المنطلق الأساسي للتجديد، بالإضافة إلى سعة العلم فلابد أن يكون طويل الباع في العلوم، واسع الخطو في جميعها فهذا ضرورة للتجديد، ولاسيما الفقه، لأن من مهمات التجديد إحياءه، ونشر العمل به، وتعليمه للناس، والذين يتصدون لذلك لابد أن يكونوا على جانب من العلم متين.

ومن صفات المجدد أيضا أن يمتلك ملكة الاستنباط، فلا يكون مجددا حتى يكون كما يقول المناوي قائما بالحجة ناصرا للسنة له ملكة رد المتشابهات إلى المحكمات وقوة استنباط الحقائق والدقائق النظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته، هذا فضلا عن علو الهمة فالمجدد يعيش في قمة عالية، وأمته تعيش في سفحٍ هابط وهو يعمل لانتشال هذه الأمة من سفحها لتحاول الصعود إلى القمة، فهو مثل أعلى في صحة العلم ووفرته واتساعه، وفي صدق العمل وإخلاصه.

ويضاف إلى هذه الصفات الواجب توافرها في المجدد صفة فهم الواقع فلابد لمن يتصدر لتجديد الفقه أن يكون بصيرا بزمانه، عارفاً بأوانه، فاهما لواقعه، حتى تكون أحكامه واستنباطاته مبنية على تصور سليم، واستنباط قويم.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,581