د. الياس البراج

رغم أنه غير مسؤول أخلاقياً عنها، إلا أن من شأن ظاهرة الحسابات الوهمية أن تجعل موقع تويتر في مواجهة مأزق يطال صدقيته في العمق. كما أن التزام إدارة الموقع الصمت بهذا الصدد رغم كثرة الضجيج حول هذا الشبح من شأنه مراكمة حالة من زعزعة الثقة بكل حسابات المستخدمين للموقع، فلا توفر الصالح منها والحقيقي، ولا تبقي من مكانة الموقع وسمعته شيئاً مهما كان مظلوما.

باختصار، إن اتساع دائرة الشك وتركها دون معالجة لن يقتصر فقط على ذوي الحسابات الوهمية المضخمة أو المشتراة بحفنة قليلة جداً من الدولارات (220 ألف مُتابع مقابل 400 دولار وفق صحيفة “نيويورك تايمز”)، بل قد ينسحب على كل ما يتعلق بالموقع فكيف إذا كانت الدلائل تظهر كل يوم أن ما يقال عن الحسابات الوهمية حقيقة متاحة أمام الجميع؟

قبل أن أصادف عروض خدمات زيادة المتابعين (الفولوورز) بدأت تلفتني مؤشرات على هذه الظاهرة الخفية منذ بداية تسجيلي في الموقع، وحين لاحظت عدة مفارقات، منها وجود حسابات ذات عشرات ومئات آلاف المتابعين، ولكنها تفتقر إلى أي قدر من التفاعل. ومنها ما وجدته مرة لدى محاولة فهم طبيعة متابعي حساب “سياسي مهم” حيث لم أعثر على مدار جلستين وعدة ساعات إلا على عدد ضئيل للغاية من المُتابعين المسجلين بصور وأسماء حقيقية، أو هكذا تبدو على الأقل. لا مبالغة في القول إن الحسابات الوهمية تمثّل واحدة من أكبر عمليات التزوير أو الخدعة في التاريخ لأنها تمس ملايين البشر بصورة أو أخرى لاسيما بعدما بات من المستحيل فصل حركة التواصل البشري عن العالم الافتراضي والإعلام الاجتماعي.

 

وليس صحيحاً أن الحسابات الوهمية مسألة شكلية لا تصل إلى مستوى مشكلة فعلية. فعدا الخديعة المعنوية والأخلاقية التي تستدعي مكانة أو شهرة وهمية تشكل فخاً خادعاً لجذب معجبين ومتابعين (حقيقيين)، لا يتردد كثير من الناشطين من ذوي الحسابات المضخّمة في بيع خدماتهم التسويقية والترويجية التي تسعّر اعتماداً على أرقام متابعيهم واعتداداً بها.

 

هذه الممارسات لا تسيء فقط لتويتر، موقعاً وشركة، بل إنها تنغّص عالم التواصل الاجتماعي الحقيقي والفعلي بين ملايين الناشطين “الحقيقيين”، وبينهم كثير من النخب الفعليين. ومن هنا تنبع أهمية البرنامج الجديد الذي أعلنت عنه شركة البرمجيات الإنجليزية “ستاتوس بيبل” مؤخرا للكشف عن الحسابات الوهمية.

وإلى أن يصبح بالوسع تمييز تلك الحسابات الوهمية أو حذفها لا نملك إلا شيئا واحدا وهو التحفظ على متابعة جميع من لديهم آلاف مؤلفة من المتابعين من جهة، ومن جهة ثانية إبداء مزيد من الاحترام لأولئك الناشطين الذين لا يهمهم عدد المتابعين بقدر ما يعنيهم الإبداع والانسياب في التواصل والتفاعل والإفادة عبر أفضل تغريد.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 67 مشاهدة
نشرت فى 3 سبتمبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,308,680