من يزور إسبانيا في أي من فصول السنة لا بد له من التوجه في نهاية المطاف الى ماربيا، التي تعني البحر الجميل وتعرف باستراحة الأمراء. فهذه المدينة المزدانة بملامح الأندلس وسحر العصور الوسطى تحولت في غضون سنوات إلى أفضل عناوين السفر الراقي الذي يلخص معاني الاستجمام ورفاهية الإقامة.

نسرين درزي (ماربيا) – في أقل من 50 دقيقة بالسيارة من مطار مدينة “ملقا” يصل السائح إلى ماربيا المسترخية في جنوبي إسبانيا على ميناء “دل سول” الممتد حتى الجزيرة الخضراء.

وهذه المدينة الأشبه بمنتجع مفتوح على الشمس تستقبل ضيوفها بباقات معطرة برائحة البحر وشواطئه المظللة بقمم جبلية تحولت في مشهد نادر الى أيقونة ماربيا المتصابية دوما.

 

معالم الرخاء

 

وهنا لا داعي للتفكير مسبقا بأي برنامج للإقامة، لأن سحر المدينة مساء وهدوءها نهارا يضع أمام الزائر عدة خيارات لإثراء وقته. فإنْ أراد السكون التام فإنّ هواء ماربيا المنعش مع صباحاتها الدافئة يحقق له قمة الاسترخاء. وإذا اختار ملامسة صخب الحياة الفارهة، فما له سوى التوجه ليلا الى “بورتو بانوس”، حيث تجتمع معالم الرخاء في شارع واحد. ولا يبعد “بورتو بانوس” إلا 5 دقائق عن وسط ماربيا وهو مقر استراحة يخوت أثرياء العالم حيث يتباهى السياح بقيادة سيارات “الفيراري” و”اللمبرجيني” و”الرولز رويس” على مرأى من المارة المتنزهين بكامل أناقتهم. وأولئك الذين يرتدون أرقى الماركات والمجوهرات ويتبخترون بآخر خطوط الموضة قاصدين أفخم المطاعم المنتشرة على طول شارع “ريبيرا” المكتظ ببيوت الأزياء اللندنية والباريسية والإيطالية.

إقامة ملوكية

ماربيا المطلة بدلال على واجهة البحر المتوسط، والتي ورد اسمها في سجلات القرون الوسطى باللغتين اللاتينية والعربية، تضاهي اليوم بالنمط السياحي الذي رسمته على طول شواطئها الذهبية مرابع “كان” الفرنسية ونوادي “مونتي كارلو”. وفي موازاة بيوتها المتأنقة على التلال المحيطة بشوارعها الواسعة، تتميز ماربيا بمنشآت الضيافة فيها والتي يغلب عليها طابع الإقامة الملوكية. ومن أعرق منتجعاتها فندق “جران ميليا دون بي بي” الذي تم تشييده قبل 50 عاما ليساهم منذ ذلك الحين في تخطيط ملامح السياحة في المدينة والارتقاء بالثقل الحضاري الذي تتفرد به اليوم ويحصد أبرز معالم الجذب فيها.

ويتحدث سعد عزام مدير منتجع “دون بي بي” في ماربيا عما تتميز به السياحة على شواطئ الجنوب الشرقي من إسبانيا. ويشير إلى أن أبرز الوافدين إلى هذه المنطقة المتلألئة ذات الرمال البيضاء والأمواج الماسية، يأتون إليها لاكتشاف مذاق الرفاهية الحرة. وتحديدا للابتعاد بما يكفي عن النمط الروتيني للحياة اليومية، حيث يختبرون مفهوم العيش بطابع الخمس نجوم وبملمس ريش النعام والرذاذ المنعش. ويقول عزام إن واقع الضيافة في ماربيا قائم على الخدمات الاستثنائية لعلية القوم ممن يزورونها على مدار السنة ولاسيما من مواطني مجلس التعاون الخليجي الذين يجدون فيها ملاذا لإجازاتهم العائلية. وبالرغم من أن كثيرا منهم يقتنون فللا على امتداد الساحل الأخضر، غير أنهم يختارون قضاء أوقاتهم وسط مرافقها السياحية التي تستحوذ رضاهم. ويذكر أن منتجع “دون بي بي” الذي يحرص على استضافة السياح القادمين من دول الخليج، يسعى دائما إلى توفير الخصوصية التامة لهم. ويوضح أن الأسرة الخليجية تجد لديهم كل ما تطمح إليه من وسائل الراحة ومتطلبات الإقامة، بما ينسجم مع رغبات كل فرد فيها. ولها التفرد في أجنحة واسعة تكشف أجمل إطلالة على شواطئ ماربيا من جهة وعلى ملاعب التنس وكرة السلة والحدائق الكثيفة من جهة أخرى.

«دون بي بي»

وفي حين يستمتع الأهالي بمظاهر الاستجمام المنتشرة في مرافق “دون بي بي” من جلسات وسط الطبيعة المطلة على الشاطئ إلى النوادي الصحية ومطاعم الأسماك المحلية، ينعم الأبناء بترفيه وفير. ولهم أن يختاروا بين 4 أحواض سباحة تتوسط المنتجع الأشبه بقرية سياحية مستقلة، أو التنزه مشيا باتجاه الشاطئ الرملي الخاص ومواجهة الرمال المبتلة. وللمزيد من أجواء اللهو مع أصدقاء جدد من مختلف الجنسيات، فإن نادي الفعاليات المخصص للأطفال يستقبلهم طوال النهار لتنظيم ما يروق لهم من برامج ترفيهية وألعاب التحدي والمسابقات. وكل ذلك برفقة مشرفين متخصصين في التعامل مع صغار السن وعلى أتم الاستعداد لتدريبهم على السباحة وممارسة الرياضات الأخرى. فمنذ اللحظة الأولى لدخول الفندق الذي يطغى عليه الجو العائلي المريح، يتولى فريق خاص مهمة الإرشاد السياحي واقتراح أقصر الطرق وأسرع الوسائل لتحقيق ما يطمح إليه الرواد. ويضيف سعد عزام أن المنتجع الذي يديره والذي يتكئ على مساحة فسيحة تحوط بها غابات معمرة، يتميز بشاطئه الخاص. وهو يوفر إمكانية النزول عبره مباشرة إلى مياه البحر ومنها التنزه على رصيف “البروموناد” يمينا للوصول إلى “بورتو بانوس” أو يسارا إلى كورنيش المقاهي ذات الطابع الأندلسي.

المستحيل ممكن

من مظاهر الغوص في تفاصيل الخدمات السياحية التي تحرص عليها ماربيا، سهولة الحصول على كل ما يرغب به الزائر حتى وإن كان طلبه مبالغا فيه. وهذا ما يؤكده المرشد السياحي بابلو تيشيرا الذي يعمل في مجال تنظيم الرحلات منذ أكثر من 15 عاما. ويقول إن اختيار الإقامة لأيام أو لأسابيع في ماربيا يضمن لأي شخص التعرف من قرب إلى المعنى الحقيقي للسياحة. فإلى جانب المعالم التاريخية التي تلف ساحل “كوستا دل سول”، هنالك متعة التعرف إلى الجانب العصري للضيافة الفارهة شكلا ومضمونا. من إمكانية استئجار أغلى السيارات إلى شراء القطع النادرة من أرقى بيوت الموضة وارتياد مطاعم يتواجد فيها أمراء العالم وأثرياء القوم والمشاهير. ويورد بابلو أنه بحكم تعامله مع “جران ميليا” الذي يحتل قائمة أشهر المنشآت السياحية المحافظة على مكانتها في ماربيا، فهو يلتقي باستمرار بالرواد من الدول العربية والخليجية. ويلفت إلى أنه تماشيا مع مبدأ المنتجع بتحويل المستحيل إلى ممكن إرضاء للنزلاء، فهو يتواصل موسميا مع كبريات مرافق الخدمات التي تحظى على اهتمام السياح على اختلاف مجتمعاتهم. وذلك عبر توفير كل وسائل الراحة والاستجمام التي تجعل إقامتهم ناجحة ومرضية. ويعمل بابلو تيشيرا على خدمات التوصيل من والى مطار “ملقا” التي تبعد 40 كيلومترا عن مدينة ماربيا. ويقوم بالتنسيق مع ضيوف المنتجع إلى تنظيم رحلات ذهاب وعودة في اليوم نفسه مداورة بين المدن الأندلسية المحيطة. ومنها غرناطة التي تبعد 129 كيلومترا، حيث قصر الحمراء “ألامبرا” رمز عبقرية العمارة الإسلامية. وإشبيليا عاصمة القصور المعمرة حيث برج الذهب ومدينة الملاهي الشهيرة “إسلا ماخيكا”. وقرطبة الباقية على مجد سطره فيها العرب عبر الأزمنة الغابرة. وأهم معالمها الجامع الكبير والحي العربي وقصر الزهراء.

قرية «روندا»

السياحة في ماربيا تفتح أكثر من منفذ للتجول بالسيارة غوصا في أعماق القرون الوسطى. وعدا عن ساحة المدينة القديمة حيث متعة المشي ليلا بين الأحياء التراثية التي تطل عليها شرفات بيضاء مطرزة بالحديد المشغول والأزهار البنفسجية، هنالك روعة التوجه الى “روندا”. وهي قرية تاريخية تحتل أجمل موقع من سلسلة القمم الجبلية في إقليم “ملقا”. ومع أنها لا تبعد سوى 48 كيلومترا عن مدينة ماربيا، غير أن الوصول إليها يستغرق ساعة أو أكثر، وذلك لارتفاعها عن سطح البحر. ولكثرة التعرجات في طرقاتها المزروعة بالأخضر من كل اتجاه، حتى أن السائح هناك يخال نفسه وسط ساحة تلفه بالطبيعة اللامتناهية حتى حدود الزمن. وبعد رحلة الصعود إلى الأعالي المترامية ما بين السواقي والقلاع، فإن السير على الأقدام أفضل الخيارات لاستنشاق هواء “روندا” والتوغل في أزقتها. وتشتهر القرية التي لم تصلها مظاهر المدنية إلا بما يفرضه مقامها كنقطة جذب سياحي، بنهرها المتدفق في مضايق صخرية. وهو بمياهه المتدفقة شتاء يقسم المنطقة إلى شقين أحدهما ينتمي الى العصور الوسطى والآخر تم تشييده لاحقا مع بزوغ فجر القرن الثامن عشر. ويعرف بمضيق “التاجو” الذي أقيم عليه جسر “بونتي نوفو” الذي كان يضم سجنا ويشكل حاليا أهم موقع يكشف الواجهة البانورامية للمنطقة التاريخية كاملة. وبين هذا المشهد وذاك تحلو جلسات المقاهي الثقافية المنتشرة في أعماقها وبين البيوت التقليدية التي تحول جزء كبير منها إلى مطاعم تقدم الأطباق الشعبية مثل “الباييا” و”التورتيلا” والتاباس”. وبعد قسط من الراحة على امتداد النهر وإمعان النظر بالبر المحيط، فإنه من المفيد استغلال الزيارة إلى “روندا” بمشاهدة متحف مصارعة الثيران الذي تشتهر به القرية. وهي الرياضة الأقدم والأضخم في إسبانيا، وحبذا لو يتزامن ذلك مع موسم المصارعة للاطلاع من قرب على عروض أذهلت سكان الأرض منذ القدم ولا تزال.

طراز أندلسي

أصبحت مدينة ماربيا الإسبانية منذ ستينيات القرن الفائت مقصدا للسياح من أقطار العالم. وقد عرفت مطلع الثمانينيات طفرة ملحوظة في المجال السياحي حيث انتشرت المنتجعات الفخمة، والشقق السكنية والفندقية الراقية التي شيدت على الطراز الأندلسي بما فيه من إضاءة على الحدائق الغناء. وقد شكل مرفأ “بورتو بنانوس” فيها حالة سياحية خاصة لاستقبال يخوت أثرياء العالم الذين شيدوا قصورهم الفخمة هناك. وساهموا في رفع مكانتها على خريطة أهم مواقع الضيافة على الإطلاق.

في التاريخ

استحقت ماربيا أهمية كبيرة في تاريخ الأندلس زمن الوجود الإسلامي بسبب موقعها الجغرافي بالقرب من مضيق جبل طارق. وقد ذكرها أبو عبدالله محمد الإدريسي في كتاب “روجر”، وابن بطوطة في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”. وكانت ماربيا محصنة بقلعة كبيرة شيدت في عهد الخلافة الأموية، وكان ارتفاع أسوارها يصل إلى 8 أمتار. وكان للمدينة القديمة 3 أبواب من المعدن والخشب، باب “ملقا” شرقا وباب البحر جنوبا وباب “روندا” غربا. ولا يزال بعضها قائما في عصرنا الحالي. وتحوط بماربيا قرى كثيرة يحمل بعضها حتى اليوم أسماء عربية مثل “نوالة “و”بنو حبش” و”خشين. وعدد من الأنهار مثل “وادي عيسى” و”وادي المنيا”.

معالم

امتدادا من ساحل “كوستا دل سول” وصولا إلى مدينة ماربيا تكثر المواقع السياحية، ومنها “فينخيرولا”، “ملقا”، “تورمو لينوس” و”بورتو بانوس”. و”عالم تيفولي”، وهي مدينة ملاه ترفيهية مسلية للأطفال وكذلك مدينة الألعاب المائية “بارك أكواتيكو ميخاس” ومدينة “أكوا بارك” في “تورمولينوس”. ومثلها حديقة الحيوانات الشهيرة في “فوينخيرولا “، والتي تضم مختلف أنواع الحيوانات. وحديقة حيوان “سلوا” التي تقع بين ماربيا وإسطبونة. و”فاني بيتش”، وهو مكان لقيادة سيارات السباق والدبابات. و”فريا دل سور” الذي يوفر عروض السيرك والخيول ورقصات الفلامنجو.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 301 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,898