اعتاد صديق لي أو بالأصح "أدمن" شراء بطاقات "اليانصيب" الحظ منذ زمن طويل في بلده، ولم يزل لديه الأمل بربح الجائزة الكبرى على الرغم من مرور أكثر من خمس وعشرين سنة على إدمانه، فقد ربح في إحدى المرات ثمن البطاقة بالتحديد لا غير، وكان يتابع كل ثلاثاء عمليات السحب التي كانت تجرى بواسطة دواليب الحظ التي تدار يدوياً وتقف على رقم من الأرقام، ومع دوران عجلة الدواليب كانت تدور أحلام صديقي، محلقة في فضاءات الخيال متأملاً الخلاص من الوظيفة وأعبائها، سابحاً في عالم المليارديرات والسيارات الفارهة والمزارع الشاسعة، ولكنه سرعان ما يهبط منكسراً متكسراً على وقع وقوف الرقم على رقم قريب من رقمه، ولا يختلف أحياناً إلى برقم واحد من ستة ثمانية أرقام أو ستة على ما أذكر، ويفاجأ بأن الرابح شخص لديه الملايين وليس بحاجة أصلاً للمال!
فيقول المثل "يعطى الحلاوة لمن لا أسنان له"، أو "يعطى الجوز لمن لا أسنان له".
قال الحضرمي: أقمت مرة بقرطبة ولازمتُ سوق كتبها مدّة أترقّب فيه وقوع كتاب كان لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع، وهو بخط فصيح وتفسير مليح.
ففرحت به أشد الفرح، وجعلت أزيد في ثمنه فيرجع إليَّ المنادي بالزيادة عليّ، إلى أن بلغ فوق حدّه. فقلت له:
ما هذا؟ أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى بلغه إلى ما لا يساوي.
فأراني شخصاً عليه لباس الرئاسة، فدنوت منه وقلت له:
أعزّ الله سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركتُه لك، فلقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حدّه.
فقال لي: لستُ بفقيه، ولا أدري فيه، ولكني أقمتُ خزانة كتب، واحتفلتُ فيها لأتجمّل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب. فلما رأيته حسن الخط، جيّد التجليد، استحسنته، ولم أبال بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم به من الرزق فهو كثير.
فأحرجني وحملني على أن قلت:
نعم، لا يكون الرزق كثيراً إلا عند مثلك. يعطى الجوز من لا أسنان له ! وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب وأطلب الانتفاع به، تحول قلّة ما بيدي بيني وبينه!
إبراهيم ناجي:
يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بـــــأيدينا خلقنا تعســــــاء
ربما تجمعنا أقدارنـا ذات يـــــوم بعدمـــــا عز اللقــــــاء
فـــــإذا أنكر خــلّ خلّـــه وتــــــلاقينا لقـــــاء الغربـــــاء
ومضى كـــــل إلى غايتــه لا تقل شئنا، وقل لي الحظ شاء
يا نــــداء كلمــــا أرسلته رد مقهوراً وبالحــــــــــظ ارتطم
وهتافـــاً من أغاريد المنى عـــــــــاد لي وهو نواح ونـــــدم
ساحة النقاش