أحمد شعبان ـ النفس الجاهلة ظالمة تعتدي على الناس بالقول والفعل، والإنسان الجاهل لا يعرف الحق ويخوض في أعراض الناس سريع الغضب لا يعترف بنعم الله عليه، ولا يرضى بقضاء الله في الخير والشر، قال الله تعالى: “فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن”، سورة الفجر الآيتان 15-16. ويقول الدكتور عبدالمعطي بيومي -الأستاذ بجامعة الأزهر: تتحدث هذه الآية عن اعتقاد بعض الناس أن الله تعالى إذا وسع عليه في الرزق ليختبره في ذلك، أن ذلك من الله إكرام له ولكنه في الحقيقة ليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى:”أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون”، سورة المؤمنون الآيتان 55 - 56. وإذا ابتلاه الله تعالى وامتحنه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك إهانة له، والحقيقة غير ذلك فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المرجع في ذلك إلى طاعة الله في كل من الحالين إذا كان غنياً بأن يشكر الله على ذلك وإذا كان فقيراً بأن يصبر. وكثير من المسلمين يظن أن ما أعطاه الله ناتج عن كرامته وفضله عند الله، وربما يقول بجهله إنه لو لم يستحق هذا الفضل والكرم لم يعطه الله، وإن ضيق عليه يظن أن ذلك لهوانه على الله.
طبيعة الإنسان
الله تعالى يصف طبيعة الإنسان بأنه جاهل ظالم إلا من رحمه ربه، يقول تعالى: “ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور. ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور. إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير”، سورة هود الآيات 9-11 يخبر الله تعالى بأنه عز وجل إذا أذاق الإنسان رحمة كالصحة والرزق والأولاد ونحو ذلك، ثم نزعها منه فإنه يستسلم لليأس وينقاد للقنوط ولا يرجو ثواب الله ولا يخطر بباله أن الله سيردها أو مثلها أو خيراً منها عليه، وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته يفرح ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير ويفرح بما أوتي، مما يوافق هوى نفسه فخور بنعم الله على عباده، وذلك يحمله على الغرور والإعجاب بالنفس والتكبر على الخلق واحتقارهم، وهذه طبيعة الإنسان إلا من وفقه الله وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى الخلق الحميد الذين صبروا عند الضراء فلم ييأسوا وعند السراء فلم يبطروا وعملوا الصالحات.
والنفس الجاهلة تجعل صاحبها يعتدي على الناس بالقول والفعل، وقال الله تعالى: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”، هذه صفات عباد الله المؤمنين الذين يمشون على الأرض بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، كما قال تعالى:”ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا”، سورة الإسراء الآية 37. فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ولا بطر، قال الحسن البصري عن هذه الآية: إن المؤمنين قوم ذلت منهم الأسماع والأبصار والجوارح حتى تحسبهم مرضى وما هم بمرضى، وإنهم أصحاء ولكن دخل الخوف قلوبهم خشية الله ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأبكاهم الخوف من النار. وإذا سفه عليهم الجهال بالسيئ لا يقابلونهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرا كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكما قال تعالى: “وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين”، سورة القصص الآية 55.
الإنسان العاقل
والإنسان العاقل يترفع عن النزول إلى مستوى الجاهلين الذين لا يعرفون الحق ولا يعرفون الآداب الإسلامية، والحقوق المتبادلة بين الناس ويقعون في أعراض الناس غير مبالين بما بين الناس من حقوق متبادلة، قائمة على كرامة الإنسان أياً كانت عقيدته وهذا ما جاء صريحاً في قوله تعالى:”ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”. وعن النعمان بن مقرن المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: “وسب رجل رجلا عنده، قال: فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أما إن ملكا بينكما يذب عنك كلما شتمك هذا، قال له: بل أنت وأنت أحق به، وإذا قال له: عليك السلام قال: لا بل عليك وأنت أحق به”.
ساحة النقاش