أحمد محمد
السميع اسم من أسماء الله الحسنى، بمعنى السامع، إلا أنه أبلغ في الصفة، والله عز وجل يسمع السر والنجوى، فهو الذي يسمع دعوات عباده وتضرعهم إليه، لا يشغله نداء عن نداء، ولا يمنعه إجابة دعاء عن آخر.
والله السميع استوى في سمعه سر القول وجهره ووسع سمعه الأصوات، فلا تختلف عليه أصوات المخلوقات، فإذا تحدث جميع الخلق في وقت واحد لا يشتبه عليه صوت، فسبحانه يسمعها كلها ويميزها ويعلم صاحب كل صوت هو الذي يسمع جميع الأصوات على اختلاف اللغات وتفنن الحاجات. فهو سبحانه وتعالى السميع الذي يجيب الدعوة عند الاضطرار، ويكشف المحنة عند الافتقار، ويغفر المذلة عند الاستغفار، ويرحم الضعف عند الذل والانكسار.
سمى الله نفسه السميع، وورد الاسم في القرآن خمساً وأربعين مرة مما يدل على أهميته، اقترن في أكثر من ثلاثين منها بالعليم، كما اقترن في عشرة مواضع بالبصير، وجاء مقترناً بالقريب مرة واحدة. قال تعالى: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)، وقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وقوله: (إن الله كان سميعا بصيرا)، (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب). فهو سميع لأقوال عباده وحركات مخلوقاته، ويسمع السر وأخفى، ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه، محيط بها لا يفوته ولا يخفى عليه شيء منها، بل الجميع تحت سمعه وبصره وعلمه، وفي ذلك تنبيه للعاقل، وتذكير للغافل.
المجادلة
وفي الحديث، جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها، تقول عائشة والله الذي لا إله إلا هو، ما بيني وبينها إلا ستار، وإني لأسمع بعضاً من كلامها ويخفى علي بعضه، وأنزل سبحانه: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)، قالت السيدة عائشة الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات.
وورد عند البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فإذا علونا كبرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ولكن تدعون سميعاً بصيراً”.
وعن أَبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح في صلاته قبل القراءة بقوله: “أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء”.
قال الخطابي “السميع هو الذي يسمع السر والنجوى، سواء عنده الجهر والخفوت، والنطق والسكوت”.
ويقول أهل العلم، السميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذات وفعل، فوصف الذات وصف حقيقي نؤمن به على ظاهر الخبر في حقه، وليس كالظاهر في حق البشر لأن الله يسمع بالكيفية التي تناسب عظمته، وهو الذي يعلم حقيقة سمعه وكيفيته وسمع الله ليس كسمع أحد من خلقه، فإن الخلق وإن وصفوا بالسمع والبصر كما في قوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)، إلا أن سمعهم وبصرهم ليس كخالقهم، قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وقال تعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى).
كاشف السوء
أن الله السميع يسمع النجوى والمناجاة، ويجيب الدعاء عند الاضطرار، ويكشف السوء، ويقبل الطاعة، وقد دعا الأنبياء والصالحون بهذا الاسم ليقبل منهم طاعتهم، ويستجيب لدعائهم، فإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قالا: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)، ودعا زكريا أن يرزقه الله ذرية صالحة: (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)، ودعا يوسف عليه السلام أن يصرف عنه كيد السوء (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم).
وذكر ابن القيم أن السمع يراد به أربعة معان، أحدها سمع إدراك ويتعلق بالأصوات ومنه قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أَغنياء). الثاني سمع فهم وعقل ويتعلق بالمعاني ومنه قوله: (.. لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا..)، ليس المراد سمع مجرد الكلام، بل سمع الفهم والعقل.
الثالث سمع إجابة وإعطاء ما سئل، ومنه قولنا سمع الله لمن حمده، أي اللهم أجب وأعط من حمدك.
الرابع سمع قبول وانقياد منه قوله تعالى: (.. سماعون للكذب..)، أي قابلون ومنقادون غير منكرين له. قال الأَزهري والعجب من قوم فسروا السميع بمعنى المسمع فراراً من وصف الله بأن له سمعاً، وقد ذكر اللَّه الفعل في غير موضع من كتابه فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه بالسمع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه، ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف، ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السميع سامعاً ويكون مسمعاً.
ساحة النقاش