أحمد شعبان ـ بين الله تبارك وتعالى أن مفاتيح العزة أو الذلة بيده وحده لا شريك له ومن أسماء الله الحسنى العزيز والمعز والمذل فهو سبحانه العزيز الذي لا يغلبه شيء وهو المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده وهو الذي يحرم منها من يشاء من خلقه فيكون ذليلا مهينا.
ويقول الدكتور صبري عبد الرؤوف – أستاذ أصول الفقه جامعة الأزهر –: وردت آيات قرآنية كثيرة تتحدث عن العزة والذلة قال تعالى:”قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير” سورة آل عمران الآية 26 يقول تبارك وتعالى: قل يا محمد معظما لربك وشاكرا له ومفوضا إليه ومتوكلا عليه “اللهم مالك الملك”، والملك هنا قيل النبوة أو الغلبة أو المال والعبيد، والصحيح الذي رجحه بعض المفسرين أنه عام لما يصدق عليه اسم الملك من غير تخصيص، فقوله: تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، أي أن الله تعالى هو المعطي والمانع وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، وهو تعالى المتصرف في خلقه الفعال لما يريد والخير كله من الله تعالى ولا يأتي بالحسنات والخيرات إلا الله وأما الشر فإنه لا يضاف إلى الله لا وصفاً ولا اسماً، ولكنه يدخل في مفعولاته ويندرج في قضائه وقدره فالخير والشر داخل في القضاء والقدر فلا يقع في ملكه إلا ما شاءه وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في دعاء قيام الليل:”والخير كله في يديك والشر ليس إليك”.
تنبيه وارشاد
وهذه الآية فيها تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى هذه الأمة لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي خاتم الأنبياء ورسول الله إلى الثقلين الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من العلم بالله وشريعته وإطلاعه على علم الغيب وكشف حقائق الآخرة له وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع وأن العزة لا تطلب إلا من الله تعالى وإنما تأتي بطاعته واجتناب معصيته قال تعالى:”من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه” سورة فاطر الآية 10 وقال تعالى:”بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا” سورة النساء الآيتان 138-139 يبشر الله تعالى المنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر بأقبح بشارة وأسوئها وهو العذاب الأليم بسبب محبتهم وموالاتهم ونصرتهم للكفار وتركهم لموالاة المؤمنين فأي شيء حملهم على ذلك؟ أيبتغون عندهم العزة؟ كان هذا حال المنافقين الذين ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين فاتخذوا الكافرين أولياء يتعززون ويستنصرون بهم والحقيقة أن العزة لله جميعا فإن نواصي العباد بيده ومشيئته نافذة فيهم وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين ونصر العدو عليهم نصرة غير مستمرة فإن العاقبة والاستقرار للمؤمنين.
وقال الله تعالى:”يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” سورة المنافقون الآية 8 وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال وهو يخاطب الأنصار:”ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله” وقال عمر – رضي الله عنه –: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.
السلف الصالح
والذل الذي يصيب الإنسان إنما هو بمعصيته لله ولرسوله كما أخبر الله تعالى عن بني إسرائيل عندما عصوا الله ورسوله فعاقبهم الله بالذلة في بواطنهم،. والمسكنة على ظواهرهم فلا يستقرون ولا يطمئنون إلا بعهد من الله ومن الناس قال تعالى:”ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون” سورة آل عمران الآية 112.
وينبغي للمؤمن أن يسأل الله من خير الدنيا والآخرة، وكان السلف الصالح يدعون: اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك قال تعالى:”من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا” سورة النساء الآية 134 وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:”إن الله يقول: الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيه في النار “ ومن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- “اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت” من أجل ذلك يؤكد الله في أكثر من موضع في كتابه على أن العزة إنما هي للمؤمنين وأن الذلة للمشركين والعاصين.
والعزة من الصفات المهمة التي لا يستغني عنها أحد وتعد صمام أمان للفرد والمجتمع فبالعزة تنمو الفضائل وتنمحى الرذائل وبها تستجلب المكارم وتستدفع المكاره وبالعزة يرقى الفرد والمجتمع فلا ذلة لدنيا ولا خضوع لشهوة ولا خوف من ذي طغيان وهي إحساس يملأ القلب والنفس بالشموخ والاستعلاء والترفع وهي نابعة من الخير ولذلك فصاحبها يحترم المثل العليا ويقاوم الرذيلة ويناصر الفضيلة ويرجو الخير لكل الخلق، والعزة ليست تكبرا ولا تفاخرا وليست بغيا أو عدوانا ولا هضما لحق أعظم للإنسان وإنما هي الحفاظ على الكرامة والصيانة لما يجب أن يصان ولذلك لا تتعارض العزة مع الرحمة وفي القرآن الكريم ما يشير إلى هذا حيث وصف ربنا بهما معا في أكثر من موضع بكتاب الله ومن ذلك قوله تعالى: “وإن ربك لهو العزيز الرحيم” ولكي تتحقق للإنسان أو المجتمع هذه الصفة فلا سبيل إلى ذلك إلا بطاعة الله تعالى والسير على منهجه والاعتزاز بدينه وشرعته.
ساحة النقاش