طالب الشحي

يحتاج الواحد فينا أحيانا لاتخاذ قرار معين أو لحل مشكلة ما إلى من يستنير برأيه أو يسترشد بقوله ولقد وجه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ 
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، ووصف سبحانه عباده المؤمنين من الأنصار، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ 
يُنْفِقُونَ)، والاستشارة كما عرفها الراغب (استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد المرء فيها بين فعلها وتركها) ولأثرها في حياتنا تكلم العلماء في فضلها ومكانتها: قال الحسن : ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.

وقال عمر بن عبد العزيز: إن المشاورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يضل معهما رأي ولا يُفقد معهما حزم.

وقال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب وما تشاور قوم إلا هدوا.
وحتى يجد المستشير أثر الاستشارة وهداها كان عليه أن يبحث عن أهلها الذين يُستنار برأيهم ويُهتدى بفكرهم.

 

وقد بين صاحب أدب الدنيا والدين الخصال التي لا بد أن تتوفر في المستشار: أولاً: “عقلٍ كاملٍ مع تجربةٍ سالفةٍ فإنّه بكثرةِ التجارب تَصحُّ الرَّوية”. قال عبد الله بن الحسن لابنه محمد: “احذرْ مشاورةَ الجاهلِ وإنْ كان ناصحاً، كما تحذرُ عداوةَ العاقلَ إذا كان عدّواً، فإنّه يوشِكُ أن يورِّطَكَ بمشاورتِهِ، فيسْبِقَ إليه مَكْرُ العاقلِ وتوريطُ الجاهل”. “وكان يقال: إياك ومشاورةَ رجلين: شابٌ معجبٌ بنفسِهِ قليلُ التجارب في غيره، أوكبيرٌ قد أخذَ الدهرُ من عقله كما أخذَ من جسمه”.

 

“وقال بعض الحكماء: من استعان بذوي العقول فاز بدَرْكِ المأمول”. وقال أبو الأسود الدُّؤلي:

فَما كُلُّ ذي لُبٍّ بِمؤتيـكَ نُصـحَهُ وَما كُلُّ مؤتٍ نَصحَهُ بِلبيبِ

وَلَكِن إذا ما استَجمَعا عِندَ واحِدٍ فَحقٌّ لَهُ مِن طاعَةٍ بِنَصيبِ

وقال القرطبي: شاور من جرب الأمور؛ فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غالباً وأنت تأخذه مجاناً.

ثانياً: أن يكون ذا دين وتقى؛ فقد ورد في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: من أراد أمراً فشاور فيه امرءاً مسلمًا وفقه الله لأرشد أموره. “فإنَّ ذلك عِمادُ كلِّ صلاح وبابُ كلِّ نجاح، ومن غلب عليه الدينُ فهو مأمونُ السريرة موفّقُ العزيمة”.

ثالثاً: أن يكون ناصحاً ودوداً: فإنّ النصح والمودّة يصْدُقان الفكرة ويمحضان الرأي. “إنَّ من الحزم لكلِّ ذي لُبّ ألاّ يُبْرِمَ أمراً، ولا يُمضِيَ عَزْماً إلاّ بمشورة ذي الرأي الناصح، ومُطالَعَةِ ذي العقل الراجح”

رابعاً: أن يكون سليم الفكر من هَمٍّ قاطع وغَمٍّ شاغِلٍ، فإنَّ من عارضتْ فكرَهُ شوائبُ الهموم لا يسلمُ له رأيٌ ولا يستقيمُ له خاطرٌ.

خامساً: ألا يكون له في الأمر المستشار غرضٌ يتابعه، ولا هوىً يساعدُهُ فإنَّ الأغراض جاذبةٌ، والهوى صادٌّ، والرأي إذا عارضَهُ الهوى وجاذبته الأغراضُ فَسَدَ.

طالب الشحي

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,587