العنكبوت حشرة عجيبة، رصد العلماء فيها وفي تصرفاتها وسلوكها الأحوال الغريبة، ولكن القرآن الكريم ذكرها في معرض الضعف في بيتها الذي يُرى داخله من خارجه، ولا يمتنع عن ريح أو مطر، ولا يدفع حراً ولا برداً، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

وقد ظهر للعلماء الدارسين أن عالم العناكب له مميزاته ونظامه وقوانينه التي تفيد الإنسان في حياته إن أراد الاستفادة، ولهذا جاء في القرآن الكريم بعد هذه الآية قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ).

فمن نظام عالم العنكبوت أن الأنثى هي التي تغزل البيت وتبنيه، وهو ما بينته الآية في قوله سبحانه: (اتَّخَذَتْ بَيْتاً) وخيوط هذا البيت تخرج من غددها، ولو جمع من خيوط العنكبوت ما يزيد على الآلاف فلن تكون أغلظ من شعرة واحدة من شعر الإنسان، ومهما غلظت خيوط بيت العنكبوت فإنها لا تدوم أكثر من ليلة واحدة، ولهذا فالعنكبوت بحاجة دائمة إلى تجديد بيتها الذي توقع فرائسها في شباكه، ثم تنقضُّ عليها لتقيدها بخيوط خاصة وجديدة، ثم تغرز فيها سمَّها وتقتلها، ثم تمتص من سوائل الفريسة لتعيش بها، فهل هناك بيت أوهن من بيت لا يستمر أكثر من ليلة؟.

 

وقد لاحظ العلماء أن هناك أمراً أكثر ضعفاً في بيت العنكبوت هذا، ألا وهو العلاقة الضعيفة والسيئة بين أفراد النوع، فالأنثى صاحبة البيت هي التي تدعو الذكر إلى دخول البيت، ولكنها لشراسة خلقها وسوئها إذا لم يفرّ ويهرب منها بعد تلقيحها فإنها تفترسه، وتأكله في ليلة زفافها وليلة عرسه، وتعيش وحيدة وتحلو لها الحياة بذلك، إنها تفترس أولادها بعد ذلك إن لم يفر الأولاد، بل ويأكل بعض الأولاد بعضاً إن لم تتفرق هاربة، فأية قوَّة في هذا البيت؟ وأية روابط تجمع عناصره وتلمّ شملها؟ إنه مثال للبيت الضعيف الواهي، عبرة لكل أسرة، وأب وأم، والبيت الواهي في المجتمع ما هي فائدته للوطن؟.

 

إن الله تعالى عندما ذكر هذا النموذج القائم على وجه الأرض في حشرة صغيرة تأبى فعالها النفوس الطيبة، وتنكرها العقول الرشيدة ليكون عبرة لاجتماع الرجل والمرأة على الخير وبناء الأسرة، وتنشئة الأولاد على التآزر والتعاون والألفة، وهذه الأمثال التي نبه القرآن الكريم إليها لا يعقلها إلا العالمون، الذين عرفوا بالعلم والعقل الصحيح، فهل نستفيد من هذه العبر والأمثال، فالبيت السعيد الذي تحيا فيه المرأة والرجل، ويقوم الرجل بواجباته الأسرية، وتجتمع فيه الأسرة على مائدة المحبة والمودة والرحمة.

د. محمد مطر الكعبي

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,853