“يحيى” نبي من أنبياء بني إسرائيل، ظهرت آية الله وقدرته فيه حين خلقه، ولد استجابة لدعاء أبيه زكريا، حيث كان شيخاً كبيراً، وأمه عاقرا، بعدما دعا ربه دعاء خفيا أن يرزقه الله الذرية الصالحة، يقول تعالى: “فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين” “الأنبياء:90”، وقال سبحانه “يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا”، “مريم:7”.

وضعت زوجة نبي الله زكريا مولودها “يحيى”، الذي جاء ميلاده معجزة، وكانت طفولته مختلفة عن غيره من الأطفال، فقد ظهرت دلائل النبوغ والحكمة عليه منذ صغره، فنشأ محباً للعلم والعلماء، وأقبل بشغف على تعلم “التوراة” الكتاب الذي أنزله الله على موسى حتى حفظها وفهم أحكامها وشرائعها، وهو صغير.

وقد ابتعد يحيى عن لهو الأطفال، فيحكى أنه كان يسير وهو صغير إذ أقبل على بعضهم وهم يلعبون ودعوه ليلعب معهم يقول ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا للعبادة.

 

صفاته

 

وحمل يحيى لواء الدعوة مع أبيه، وكان مباركاً يدعو الناس إلى نور التوحيد ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام، شديد الحرص على أن ينصح قومه ويعظهم بالبعد عن الانحرافات التي كانت سائدة حين ذاك، وكلما كبر ازداد حكمة وحباً لله، كان مؤمنا تقيا رحيم القلب وأمره الله عز وجل أن يدرس كتاب الشريعة حيث قال تعالى: “يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً”، أي كان حكيماً رغم صغر سنه، وعامة المفسرين على أن المراد بالكتاب التوراة أي خذ التوراة بقوة وبجد واجتهاد، بتفهم المعنى على الوجه الصحيح، ثم يعمل به من جميع الجهات فيعتقد عقائده ويحل حلاله ويحرم حرامه ويتأدب بآدابه ويتعظ بمواعظه.

وقوله: “وآتيناه الحكم صبياً”، أي أعطيناه الحكم وللعلماء في المراد بالحكم أقوال متقاربة مرجعها إلى شيء واحد وهو أن الله أعطاه الفهم في الكتاب أي إدراك ما فيه والعمل به حال كونه صبياً، وقيل إنه بعد أن بلغ ثلاث سنين خاطبه ربه وأوحى إليه وهو طفل.

أنعم الله على يحيى ببعض الصفات والمعجزات فكان يدخل أي مغارة في الجبل وهو يذكر الله ويصلى ويكون فيها وحش من الوحوش أسد أو ذئب فلا تؤذيه وتبتعد عنه في هدوء، صار عالماً متبحراً، ومرجعاً يرجع إليه في الفتاوى الدينية، ثم وافته النبوة والرسالة قبل أن يبلغ ثلاثين سنة. وقد كان يحيى نبياً وحصوراً ومن الصالحين، لم يجعل له من قبل شبيهاً ولا مثيلاً وهو النبي الذي قال الحق عنه في سياق الحديث عن أبيه زكريا بعدما استجاب الله لدعائه: “فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين” “آل عمران:39”

ولقد كان يحيى في الأنبياء نموذجاً لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي، يضيء حباً لكل الكائنات وأحبه الناس والطيور والوحوش والصحاري والجبال، واشتهر بالتقوى والإخلاص، وعرف بالصدق والأمانة، وكان باراً بوالديه، لطيفاً بهما، طائعاً لهما، محسناً إليهما، كما كان متواضعاً للناس، لا يأخذه الكبر، ولا يعرف الغرور طريقه إلى قلبه، يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بدينه وشريعته التي أنزلها على موسى.

وكان يحيى إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع، وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله. لكن بني إسرائيل كعهدهم دائماً مع كل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم كذبوه، وأنكروا عليه ما يأمرهم به، وتعرضوا بالأذى للمؤمنين به، وراحوا يتآمرون عليه، ويكيدون له، ليصرفوا الناس عنه وعن دعوته، ولم يتورعوا عن إيذائه، والتحريض على قتله والتخلص منه ومن دعوته.

بروز اسمه

وكان يحيى أول من آمن بعيسى عليه السلام وصدقه، وكان أكبر منه بستة أشهر، وكانا ابني خالة، ثم قتل يحيى قبل أن يرفع عيسى عليه السلام.

برز اسم يحيى عليه السلام، وكان حاكم فلسطين في ذلك الوقت “هيرودس”، وهو رجل شرير فاسق، له ابنة أخ يُقال لها “هيروديا” بارعة الجمال، أراد أن يتزوجها، قيل إنها ربيبته أي ابنة زوجته التي أصابها الكبر، وهي وأمها تريدان هذا الزواج، فلما علم يحيى أعلن معارضته وتحريم زواج العم بابنة أخيه في الشريعة، وتحريم زواج ابنة الزوجة.

حقدت أم الفتاة على يحيى، وبيتت له مكيدة، زينت ابنتها هيروديا، وأدخلتها على عمها، فرقصت أمامه حتى ملكت مشاعره، فقال لها تمني علي، فقالت أريد رأس يحيى في هذا الطبق فاستجاب لطلبها، وأمر به فقتل، وقدم لها رأسه، والدم ينزف منه، فقد ذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلي في المحراب وقتلوه وقدموا رأسه على صحن للملك فقدمه إليها وتزوجها بالحرام، ويُقال إنه عندما جاءوا برأسه ودمه في طشت عندها، أنها هلكت من فورها وساعتها.

ومما يسوقه أصحاب السير ولكن بلا دليل، أن الله سلط عليهم أخبث أهل الأرض فانتقم منهم فظل الدم يغلي، ما كان يهدأ، والأرض ما كانت تبلعه، فسلط عليهم كافراً اسمه بختنصر، جاء من العراق فقتل منهم سبعين ألفا فهدأ دم يحيى. وجاء في تفسير البغوي، أنه قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبياً منهم يحيى بن زكريا عليه السلام.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 70 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,825