د. محمد مطر الكعبي
جعل الله تعالى الشجر من أساسيات هذه الأرض يتمتع الإنسان بثمارها، ويستظل بظلها، وينعم بجمالها ومنظرها، وينتفع بخشبها وورقها، وقد جاء ذكر الشجر في القرآن الكريم كثيراً فـي معرض الامتنان والنعمة المهداة من الله تعالى للإنسان، وذكرت هذه النعمة على وجوه شتى، فمن ذلك قوله تعالى :( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفينَ).
وقال سبحانه :( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ )، وقد بين القرآن الكريم أن من الشجر الطيب الذي يستفاد منه كله، ولا يرمى منه شيء، ومنه الخبيث الذي لا يستفاد منه، قال تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ*وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ). وقال سبحانه :( يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ).
إن حياة النبات والأشجار من أعظم العبر، فهي تشبه حياة الإنسان، لهذا تكرر ذكره فـي القرآن الكريم، فالشجرة على ضخامتها وسعتها تعود لبذرة صغيرة، ثم تنمو وتزهر، وتثمر أحلى الثمار أو تكون ضارة مرةً، وكذلك الإنسان هو من نطفة، ثم ينمو ويكبر، فإما أن يكون خيراً مثمراً، أو يكون ضاراً مؤذياً، ثم يصبح الشجر أو بعض الأشجار والأعشاب هشيماً تذروه الرياح، وقد جاء ذكر شجرة النخيل في القرآن الكريم لأهميتها فـي حياة الناس الذين نزل القرآن عليهم، لما فيها من فوائد للناس كلهم.
قال عز وجل:( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ* رِزْقاً لِّلْعِبَادِ ) فالنخلة كانت ولا تزال منبع جمال وعطاء وكمال، وكلها فوائد وليس لها من أضرار، وقد جاء تشبيه المؤمن بأنه كالنخلة كما ورد في الصحيحين :« إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِي ».
فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي . ثم قَالَ لهم رَسُولُ اللَّهِ :« هِي النَّخْلَةُ ». وقد قام الناس منذ القدم بتأمل الأشجار وأنواعها الكثيرة، والبحث عن فوائدها، واستمر هذا البحث مع البشرية، وفـي كل عصر مع تقدم هذه البحوث تظهر فوائد جديدة للأشجار، حيث تنبت وتكمل صنف منابته التي تعيش فيها، وأكدت بحوث عصرنا أن الأشجار جزء من نظام هذا الكون الضروري الذي لا تقوم حياة الإنسان إلا بوجوده.
إن تكريمها والحفاظ عليها وغرسها وتكثيرها هو احتفاء بالإنسانية والحياة، ومن هنا يظهر البعد الإنساني والاقتصادي والجمالي فـي فكر قيادتنا الرشيدة منذ أيام القائد المؤسس الشيخ زايد – طيب الله ثراه– الذي أراد أن يجعل هذا الوطن غابة واسعة من الأشجار، لينعم أبناء هذا الوطن وغيرهم بخيراتها وفوائدها، وتستمر زراعة الأشجار فـي عهد خليفة الخير وإخوانه الحكام، لتبقى ربوعنا خضراء وارفة الظلال.
ساحة النقاش