عمرو أبو الفضل ـ الدينوري أحد المؤرخين الكبار، وواحد من أئمة زمانه وانبه علماء عصره، وأجمع الذين أرخوا له علو كعبه في العلوم الشرعية والعلمية والعقلية.

ويقول الدكتور منتصر مجاهد- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس- هو أبو حنيفة أحمد بن داود بن ونند الدينوري، وترجع نسبته إلى مدينة دينور، وهي بلدة من بلاد الجبل تقع قرب قرميسين، عند همذان بإيران، ولم تذكر كتب التراجم والأعلام المتيسرة تأريخا لولادة أبي حنيفة الدينوري، إلا أن بعض المؤرخين يرى أنه ولد في العقد الأول من القرن الثالث الهجري، وقيل انه ولد في العشرين الأولى من القرن الثالث الهجري، ونشأ في أسرة فارسية الأصل، وبدأ تلقي علومه ومعارفه بحفظ القرآن الكريم وتعلم علوم اللغة ودراسة الفقه والتفسير والحديث النبوي على علماء بلدته، وحرص على تعدد مناهل ثقافته وينابيع علومه، لذلك أخذ بالاختلاف إلى علماء عصره حتى قوي عوده، وأراد الاستزادة العلمية وتحصيل المعارف، فقام برحلات علمية عديدة إلى المدن والحواضر الإسلامية، ودخل بلاد ما بين الرافدين التي كانت منبرا من منابر العلم العالية التي يقصدها الطلبة والعلماء، فأخذ علومه عن البصريين والكوفيين وتتلمذ في فقه اللغة على ابن السكيت وأبيه، ولهذا يعد من أوائل العلماء الذين خلطوا بين المذهبين البصري والكوفي، وامتدت به أسفاره صوب بلاد الشام ونجد والحجاز والأراضي المقدسة في فلسطين والى شواطئ الخليج العربي حيث عاش فيها ردحا من الزمن، وزار من خلالها بلاد اليمن والبحرين وعمان.

في أصبهان

 

بعد أن تضلع في العلم أرتحل إلى أصبهان سنة 235هـ/849م، ليتلقى دروسه في علم الهيئة وعلوم الفلك، فأنشأ هناك مرصدا فلكيا لرصد الكواكب والأجرام السماوية، وسجل نتائج رصده في مؤلفه الشهير “الرد على رصد الأصفهاني”، وذكرت المصادر أنه زار العراق بعد ذلك، وأخذ عن شيوخها، ومن أهم شيوخه أبو الحسن علي بن حازم، والقاسم بن سلام، وابن الأعرابي، وأحمد بن حاتم الباهلي، ومحمد بن أحمد الطوال، وأبو حاتم السجستاني، وابن أبي الدنيا، والمبرد، وأحمد بن يحيى الشيبانى، والزجاج، وغيرهم.

 

وتتلمذ على يد الدينوري الكثير من طلبة العلم النجباء منهم ابن خير الاشبيلي، ولبيب بن عبدالله، وفاق علماء عصره وأدباء دهره، وحلق صيته فوقهم، بكثرة تصانيفه الحسنة مع نسكه وزهده وتورعه، ووصفه أبو حيان التوحيدي بأنه: “من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم”، وقال عنه ابن النديم:” كان مفننا في علوم كثيرة منها النحو والهندسة واللغة والحساب وعلوم الهند، وثقة فيما يرويه معروف بالصدق”، وذكره المسعودي، بأنه كان: “ذا محل من العالم كبير”، وقال يعلى: “كان كبير المحل في اللغة وهو عالم جامع سمع الحديث”، وقال الانباري:” كان ذا علوم كثيرة منها النحو واللغة والهندسة والحساب والهيئة وكان ثقة فيما يرويه”، وذكره ياقوت الحموي بأنه: “كان نحويا لغويا مهندسا منجما حاسبا راوية ثقة فيما يرويه ويحكيه”.

واهتم المستشرقون بآثاره وأشادوا بمصنفاته، قال عنه المستشرق الروسي كراتشكوفسكي انه: “كان عالما موسوعيا بكل ما في هذه الكلمة من معان فإنه حلق فوق أقرانه من علماء العلوم المختلفة”، وذكر المستشرق بروكلمان انه: “تعدد نواحي العلم واتساع دائرة المعارف وكثرة التصانيف”، وقال المستشرق مرغوليوث انه: “متنوع أشد التنوع إذ تمثل فيه الجغرافية والنبات والرياضة واللغة والتأريخ الأدبي، كما يتمثل التاريخ الفعلي”.

مؤلفاته

خلف الدينوري مؤلفات كثيرة قيمة في مختلف العلوم والمعارف الشرعية والعلمية والعقلية، وبلغت أكثر من عشرين مؤلفا اغلبها لم يصل إلينا، وأهمها “النبات”، و”العسل والنحل” وفيهما سجل مشاهدات رحلاته العلمية في البلدان، ونقل تراثا ضخما عن جماعة من أعراب القبائل والأئمة الأعلام في اللغة والأدب، و”أصلاح المنطق”، و”الأنواء”، و”البلدان”، و”تفسير القرآن الكريم”، و”البيان”، و”جواهر العلم”، و”حساب الدور”، و”الدرر الفريدة في الدروس المفيدة”، و”الجبر والمقابلة”، و”الشعر والشعراء”.

ويعد كتابه “الأخبار الطوال” من أبرز مؤلفاته وقامت عليه شهرته بوصفه مؤرخا، فقد عني الباحثون بتحقيقه، وطبع لأول مرة عام 1912م، بتحقيق كراتشكوفسكي معتمدا نسخة الكتاب الأشمل، والتي كانت بحوزة العلامة رفاعة الطهطاوي، وأراد بالأخبار الطوال الأحداث البارزة في التاريخ، والتي شغلت من الزمن حيزا، ومن دائرة الشعوب فسحة واسعة، اعتقادا منه أن مثل هذه الأخبار التي تواتر الكلام عليها هي جوهر التاريخ والمحرك الأساسي لأحداثه، وتمكن في هذا الكتاب من الفصل بين المراحل التاريخية وفق سياقات علمية منظمة، إذ خصص القسم الأول لمعالجة المدة التي سبقت الإسلام، في حين جاء القسم الثاني لمناقشة المرحلة بعد ظهور الإسلام، ونجح كما تقول دائرة المعارف الإسلامية في تدوين الحوادث والأخبار وأمدنا بمادة تصح للبحث المستفيض عن فترات من تاريخ العالم، منذ بدء الخليقة وحتى خلافة المعتصم، وجه فيها عناية خاصة إلى تاريخ الفرس والروم وعرب الجاهلية، وأمدنا بأخبار مفصلة عن تاريخ الإسكندر، ودولة الساسانيين، وتاريخ الخلفاء، وفتوح العراق، وما وقع بين علي ومعاوية، وأخبار الخوارج، ومقتل الحسين، وفتن الأزارقة، وفتنة المختار، وسقوط الأمويين، ومكائد العلويين، وخاصة في خراسان أثناء تناوله تاريخ الخلفاء.

وتوفي أبو حنيفة -رحمه الله- في مدينة دينور، في 26 من جمادى الأولى سنة 282هـ/ 895م.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 93 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,705