أحمد محمد
بعد وفاة نبي الله إلياس بعث الله تعالى اليسع بن أخطوب، الذي حمل لواء الدعوة إلى الله، بعد أن كثرت في بني إسرائيل والأقوام المحيطة بهم عبادة الأوثان، وتسلط الملوك الجبابرة الذين قتلوا الأنبياء وآذوا المؤمنين، فكانت رسالته إلى هؤلاء الأقوام الضالين الذين زادت الحروب بينهم.
ويقول المؤرخون: استقر الأمر على حصول اليهود على بعض الامتيازات، وبناء سيدنا اليسع كنيساً في جوبر وهو مكان مقدس ومزار يؤمه اليهود في المنطقة، وسكن بعض اليهود المنطقة إلى جانب سكانها الأصليين.
وقد اجتاح الآراميون العرب منطقة الشام في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، واستقروا في وسط سوريا وقضوا على العموريين والحيثيين، وأسسوا ممالك ودويلات صغيرة منها مملكة دمشق وحماة ومملكة آرام في شمال العراق، ومملكة الأدوميين في الأردن، فالأموريون أو العموريون من الشعوب التي هاجرت من جزيرة العرب في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وتجولوا في بلاد الشام وأسسوا إمارات عدة.
وبعث نبي الله اليسع عليه السلام إلى الأقوام العموريين على امتداد رقعتهم الجغرافية بعد أن حادوا عن طريق الاستقامة وانغمسوا في الملذات الحسية، مما مهد لقيام حروب خارجية مع الحيثيين في الشمال والفراعنة في الجنوب إضافة إلى حروبهم مع جيرانهم الكنعانيين.
خلافة إلياس
يقال هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام، كان مستخفيا معه بجبل قاسيون من ملك بعلبك، ثم ذهب معه إليها، فلما رفُع إلياس، خلفه اليسع في قومه، ونبأه الله بعده، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل، وأيده فآمنت به بنو إسرائيل وكانوا يعظمونه.
واليسع من عباد الله الأخيار وقد بين الله سبحانه، فضله عندما ذكره مع الأنبياء، وأثنى عليه، ورد ذكره في القرآن مرتين، ولا خلاف في نبوته فهو نبي مرسل، من أنبياء الله تعالى الذين يذكر الحق أسماءهم، ولا يحكي قصصهم، قال تعالى: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار)، وقال جل جلاله: (وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين).
وذكر الحافظ ابن عساكر نسبه وأن اسمه أسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف الصديق وهو من أنبياء بني إسرائيل، ويقال إنه ابن عم النبي إلياس، وقد أوجز القرآن الكريم حياته فلم يذكر عنها شيئاً وإنما اكتفى بعده في مجموعة الرسل الكرام، ولم يشر القرآن إلى قصة اليسع ولا إلى قومه، وروى أهل السير أنه أرسل إلى بني إسرائيل.
قام بتبليغ الدعوة، يدعو إلى الله مستمسكاً بمنهاج نبي الله إلياس وشريعته وقد كثرت في زمانه الأحداث والخطايا وكثر الملوك الجبابرة فقتلوا الأنبياء وشردوا المؤمنين فوعظهم وخوفهم من عذاب الله ولكنهم لم يأبهوا بدعوته.
ويذكر بعض المؤرخين أن دعوته كانت في مدينة “بانياس” إحدى مدن الشام ، ولا تزال حتى الآن موجودة وهي قريبة من بلدة اللاذقية. وقال ابن إسحاق، عن قتادة، عن الحسن، كان بعد إلياس اليسع عليهما السلام، فمكث ما شاء الله أن يمكث يدعوهم إلى الله مستمسكاً بمنهاج إلياس وشريعته حتى قبضه الله إليه ثم خلف فيهم الخلوف وعظمت فيهم الأحداث والخطايا وكثرت الجبابرة وقتلوا الأنبياء.
تابوت الميثاق
قال ابن جرير وغيره، ثم مرج أمر بني إسرائيل، وعظمت منهم الخطوب والخطايا، وقتلوا من قتلوا من الأنبياء، وسلط الله عليهم بدل الأنبياء ملوكا جبارين، يظلمونهم ويسفكون دماءهم، وسلط الله عليهم الأعداء من غيرهم أيضا، وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان، فكانوا ينصرون ببركته، وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم عليه وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم، فلما علم بذلك ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان مالت عنقه فمات كمداً.
وذكر ابن الأثير في كتابه “ الكامل في التاريخ” فلما انقطع إلياس عن بني إسرائيل بعث الله اليسع، فكان فيهم ما شاء الله، ثم قبضه الله، وعظمت فيهم الأحداث وعندهم التابوت يتوارثونه، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت إلا هزم الله العدو، وكانت السكينة شبه رأس هر، فإذا صرخت في التابوت بصراخ هر أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح.
ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاف، وكان الله يمنعهم ويحميهم، فلما عظمت أحداثهم نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا التابوت، فاقتتلوا فغلبهم عدوهم على التابوت وأخذه منهم وانهزموا، ودخل العدو أرضهم ونهب وسبى، فمكثوا على اضطراب من أمرهم واختلاف، وكانوا يتمادون أحيانا في غيهم فيسلط الله عليهم من ينتقم منهم، فإذا راجعوا التوبة كف الله عنهم شر عدوهم، فكان هذا حالهم من لدن توفي يوشع بن نون إلى ملكهم طالوت، ورد عليهم التابوت.
وبقي بنو إسرائيل بلا راع، حتى بعث الله فيهم نبيا من الأنبياء يقال له شمويل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكا ليقاتلوا معه الأعداء.
قال ابن جرير، فكان من وفاة يوشع بن نون إلى أن بعث الله عز وجل شمويل بن بالى أربعمئة وستون سنة، ثم ذكر تفصيلها بعدد الملوك الذين ملكوا عليهم.
ساحة النقاش