أحمد مراد 

يعد الإمام أبو حامد الغزالي من العلامات المضيئة في التاريخ الإسلامي التي أخلصت لدينها وأمتها عبر مجهودات علمية وعملية جعلت منه مفكرا ومربيا ومصلحا اجتماعيا من طراز فريد، فضلًا عن كونه واحدا من المجددين في علوم الإسلام الذين أثروا حياة الأمة الإسلامية بمؤلفات كانت من أسس النهضة والحضارة الإسلامية.

يقول د.أحمد كريمة ـ أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: ولد أبو حامد الغزالي عام 450 هـ الموافق لعام 1058م، وعرف بهذا الاسم نسبة إلى صناعة الغزل التي كان يعمل فيها والده ، وقد نشأ في أسرة متواضعة الحال كانت تقيم في مدينة خراسان، وكان والده زاهدا ومتصوفا، وكانت لديه رغبة شديدة في تعليم ولديه محمد وأحمد، وحينما حضرته الوفاة عهد إلى صديق له متصوف برعاية ولديه، وأعطاه ما لديه من مال يسير، وأوصاه بتعليمهما، فاجتهد الرجل في تنفيذ الوصية حتى نفد ما تركه لهما أبوهما من المال، وتعذر عليه القيام برعايتهما والإنفاق عليهما، فألحقهما بإحدى المدارس التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، والتي كانت تكفل طلاب العلم فيها.

 

دراسته

 

ويضيف د.كريمة: درس الغزالي الفقه في طوس، ثم رحل إلى نيسابور ولازم إمام الحرمين الجويني فأخذ عنه جملة من العلوم في الفقه وأصوله وعلم الكلام والمنطق، وفي هذه الفترة ألف كتابه “المنخول” وعرضه على شيخه الجويني، فأعجب به، ثم خرج من نيسابور، وحضر مجلس الوزير نظام الملك، فأقبل عليه وحل منه محلا عظيما لعلو درجته وحسن مناظرته، وكان مجلس نظام الملك محطا لرحال العلماء، ومقصد الأئمة، وقد أشار عليه نظام الملك بالمسير إلى بغداد للقيام بالتدريس في المدرسة النظامية، فسار إليها سنة 484 هـ، وأعجب الكل بتدريسه ومناظرته، وارتفعت درجته في بغداد على الأمراء والوزراء والأكابر وأهل دار الخلافة.

وفي عهد الخليفة العباسي المستظهر برزت فرقة تسمى الباطنية، وكانت ترى أنه يجب تأويل القرآن والبحث في باطنه وعدم قبول ظاهره فقد كانوا يؤمنون بالمعاني الباطنة، وكانت تهدف إلى التشكيك في أركان الشريعة، وأحس الخليفة العباسي بخطرها فطلب من الغزالي أن يؤلف كتابا يقوم فيه بالرد عليهم، فتمعن الغزالي بأفكارهم وتعمق بها وألف كتاب “فضائح الباطنية” للرد على أفكارهم.

الصوفية

ويقول د. كريمه: وعندما فرغ الغزالي من علوم الفقه أقبل على العلوم الصوفية، ثم رحل إلى الشام، وأقام بها سنتين لا شغل له إلا العزلة والخلوة؛ والرياضة والمجاهدة، اشتغالا بتزكية النفس، وتـهذيب الأخلاق، وتصفية القلب لذكر الله تعالى، وكان يعتكف مدة في مسجد دمشق، يصعد منارة المسجد طول النهار، ويغلق بابـها على نفسه، ثم رحل إلى بيت المقدس، وكان كل يوم يدخل الصخرة، ويغلق بابـها على نفسه، ودام الغزالي في خلوته مقدار عشر سنين، ليصل إلى نتيجة، وهي في قوله: “إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق”

وخلال فترة اعتزاله ألف الغزالي كتابه “إحياء علوم الدين” والذي ابتدأ تأليفه في القدس ثم أتمـه بدمشق، وهو يمثل تجربته التي عاشها في تلك الفترة، ويعتبر كتاب الإحياء أحد أهم كتبه التي ألفها، وأحد أهم وأشمل الكتب في علم التصوف، حتى قيل عنه: من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء، كما ألف كتابه “المنقذ من الضلال”، واتسم منهج الإمام الغزالي بعد مسيرته الصوفية بشيء من الوسطية ووقف بآرائه ضد العصبية الدينية والأفكار التكفيرية.

إصلاح الأخلاق

ويشير د.كريمة إلى أن أبا حامد الغزالي يعد من كبار المفكرين المسلمين في مجال علم الأخلاق والتربية، وقد استفاد الغزالي من تجربته العميقة، معتمدا على الشريعة الإسلامية في بناء منهجية متكاملة في تربية النفس الإنسانية، كما بين الطرق العملية لتربية الأبناء وإصلاح الأخلاق الذميمة وتخليص الإنسان منها، فكان بذلك مفكرا ومربيا ومصلحا اجتماعيا.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 43 مشاهدة
نشرت فى 7 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,235,457