عمرو أبوالفضل ـ الفقيه الشافعي ابن الدبيثي هو أحد أعلام الفكر العربي والإسلامي، وكان من المؤرخين النبلاء في العصر العباسي، ومن أفضل علماء عصره في الحديث وعلومه، وخلف مصنفات تاريخية اعتنى بها الدارسون.
ويقول الدكتور حمدي مصطفى - الأستاذ بجامعة الأزهر- ولد أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي سعيد بن أبي طالب يحيى بن أبي الحسن علي بن الحجاج بن محمد بن الحجاج، المعروف بابن الدبيثي، في 26 رجب سنة 558هـ، بواسط، وذكرت المصادر أن نسبته إلى دبيث، وهي قرية بنواحي واسط، ونشأ في أسرة موسرة، وكان والده أحد الأعيان وقدم بغداد وسكن دار الخلافة المعظمة بباب النوبي في الدرب الجديد، ودفع ابنه إلى طلب العلم، وتلقى دروسه في حفظ القرآن الكريم، وأقبل على القراءة بالقراءات السبع والعشر، وسمع الحديث من مئات الشيوخ ودرس الفقه والأدب واللغة وغيرها على عدد من كبار شيوخ عصره، وأراد الاستزادة من التحصيل وطلب العلم، فرحل وحج سنة 579 هـ، وجاور وأخذ عن علماء الحجاز، وسافر إلى مصر، ودخل الموصل ودرس على جماعة من كبار شيوخها.
وبلغ مكانة علمية رفيعة ومنزلة مرموقة، وذاع صيته وطافت شهرته الآفاق، وأشاد بمكانته وعلمه وورعه وزهده العلماء، وقال عنه ياقوت الحموي: "شيخنا الذي استفدنا منه وعنه أخذنا"، وقال الضياء المقدسي: "هو حافظ وحدث بتاريخ واسط، وقل أن يجمع شيئا إلا وأكثره على ذهنه وله معرفة تامة بالأدب"، وقال عنه المؤرخ ابن النجار:"هو سخي بكتبه وأصوله، صحبته سنين فما رأيت منه إلا الجميل والديانة وحسن الطريقة، وما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ والسير وأيام الناس". وقد اتبع ابن الدبيثي خطة سابقيه، في التراجم من حيث النطاق والنوعية، ولما كان كتابه هذا ذيلا على كتاب السمعاني فإنه ألزم نفسه بأن لا يذكر أحدا ممن ذكرهم السمعاني، إلا إذا تأخرت وفاة المترجم له عن وفاة السمعاني وهي عام 562 هـ، أو إذا وقع وهم في تراجمهم، وقد استدرك ابن الدبيثي في كتابه على السمعاني جماعة فاته ذكرهم فلم يترجم لهم، وقد بدأ الكتاب بالمتوفين بعد عام 562 هـ، وسار ابن الدبيثي بتاريخه إلى زمانه، ووقف عند سنة 621 هـ، كما ترجم في تاريخه لمن كان ببغداد من الخلفاء وولاة عهودهم، والوزراء، وأرباب الولايات، والفقهاء، والنقباء، والقضاة، والعدول، والخطباء، والفقهاء، ورواة الحديث، والقراء، وأهل الفضل والأدب، والشعراء، والصوفية، والأطباء، والصيادلة وغيرهم، وسجل لحياته العلمية ودراساته ورحلاته وشيوخه وطرف من علاقاته.
كما ألف تاريخا لواسط التي كانت من أهم المراكز العلمية المهمة التي راجت فيها أسواق الأدب والعلم ووصفه المؤرخون بأنه "تاريخ كبير"، وعرض فيه معلومات دقيقة عن الجوانب الحضارية والفكرية لواسط، وعلمائها، وبعض مدارسها ومدرسيها، ويحتوي على تراجم شافية لعدد من رجال واسط، القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء، وعن الصلات العلمية بينها وبين العالم الإسلامي، وأشهر البيوت العلمية، وتضمن معلومات مفيدة عن علم الحديث، وتميز عرضه بالدقة والشمول، نظرا لأنه من أبناء المدينة، وعاصر الكثير من شيوخها وعلمائها، واعتمد على كتب تاريخية لعلماء واسطيين مثل "تاريخ الحكام" لأبي العباس أحمد بن بختيار بن المندائي، وله "معجم الشيوخ"، وشعر جيد، وصنف غير ذلك، ومرض ابن الدبيثي في آخر حياته مرضا شديدا وتوفي في سنة 637 هـ، ببغداد ودفن بمقبرة الوردية، وقيل بواسط.
ساحة النقاش