أحمد محمد - السلام هو المنزه عن كل سوء، السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما ينافي كماله، ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه، وينزه ويعظم أن يكون له مثيل، أو شبيه أو كفؤ، أو سمي أو ند أو مضاد، وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها.
“السلام” اسم من أسماء الله الحسنى، وهو يعني البراءة من العيوب والنقائص، ويشمل في ثناياه معاني متعددة كالسكينة والأمان والاستقرار والهدوء، و”السلام” من أسماء الذات والأفعال، هو الذي أعطى السلامة لخلقه، لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان والمستقبل.
ورد الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد وهو قوله تعالى: “هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون” “الحشر:23”، والله عز وجل هو السلام لسلامته من العيب والنقص، سلم في ذاته بنورها وسبحاتها وجلالها، وفي صفاته بكمالها وجمالها وعلو شأنها، وسلم أيضا في أفعاله بطلاقة قدرته ونفاذ مشيئته، وكمال عدله وبالغ حكمته، وهو داعي العباد إلى السلام وإفشاء السلام كما قال: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” “الفرقان:63”، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام قال تعالى: “يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام”، “المائدة:16”، وهو الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ الموحدين منهم إليها كما قال: “والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم” “يونس:25”، وسميت دار السلام لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع ولا تفنى وهي دار السلامة من الموت والهرم والأسقام، وقال: “سلام قولا من رب رحيم” “يس:58”، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه.
ناشر السلام
والله السلام لأنه ناشر السلام بين الأنام، المنزه ومانح السلامة في الدنيا والآخرة، فكل سلامة راجعة إليه صادرة منه، والإسلام هو عنوان دين الله الخاتم مشتق من مادة السلام الذي هو إسلام المرء نفسه لخالقها، وعهد منه أن يكون في حياته سلما ومسالما لمن يسالمه، وتحية المسلمين بينهم السلام.
وعند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال، كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا، السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إن الله هو السلام”، وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال: “اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام”، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: “إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم”.
ويقول ابن القيم، إن الله جل وعلا أحق بهذا الاسم من كل مسمى به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته وأفعاله من كل شر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك.
صفات الكمال
ويقول العلماء إنه بالنظر إلى إفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره، بل كل ما سواه محتاج إليه، وإلوهيته سلام من المشارك له، هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة.
وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب، شرعه كله حكمة ورحمة ومصلحة وعدل، وكذلك عطاؤه ومنعه سلام، واستواؤه وعلوه على عرشه سلام وهو الغني عن العرش وحملته وعن كل ما سواه.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه، وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله، وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل، وموالاته لأوليائه سلام.
ومن تمام تنزيهه إثبات صفات الكبرياء والعظمة له، فإن التنزيه مقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة، كظن الجاهلية الذين يظنون به ظن السوء، ظن غير ما يليق بجلاله، وإذا قال العبد مثنيا على ربه سبحان الله أو تقدس الله ونحوها كان مثنيا عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال.
والسلام في اللغة مصدر للموصوف بالسلامة، والسلامة الأمان والاطمئنان والحصانة البراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة والخلاص من كل مكروه.
ساحة النقاش