دخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة في فلسطين واستقروا بها، على يد يوشع بن نون، وصاروا يعبدون الله على المنهج الذي جاء به موسى، وبعد مدة عادوا إلى طبائعهم الفاسدة مرة أخرى، فكفروا بأنعم الله، وانحرفوا عن الطريق المستقيم.
لما توفي يوشع، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ودب فيهم التهاون، فكثرت المعاصي، وفشا الفسق، وضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة للغزوات. سلط الله عليهم ملكاً جباراً اسمه “جالوت” فقتل رجالهم، وسبى نساءهم وأطفالهم، وأخرجهم من بيوتهم، وأخذ منهم التابوت المقدس وبه الألواح الخاصة بالتوراة، وعصا موسى وبعض الأشياء الخاصة بهارون. أراد بنو إسرائيل قتال جالوت، ولم يكن لهم من يوحد صفوفهم، وكان من بينهم نبي أخبروه أنهم يريدون ملكاً عليهم لمحاربة جالوت، فتعجب نبيهم، وذكرهم أنه يخشى إن فرض عليهم القتال أن يرفضوا، ولكنهم أكدوا عزمهم، فأوحى الله إلى نبيهم أنه بعث لهم طالوت ملكاً، فتعجبوا وغضبوا من هذا الاختيار، اعترض الكثير منهم خاصة الأغنياء الذين يطمعون أن يكون لهم الملك والسلطان.
طالوت
أخبرهم نبيهم أن هذا اختيار الله، وأنه سبحانه أعطى طالوت قوة في الجسم، وسعة في العلم، وأن علامة ملكه أن تأتيه الملائكة بالتابوت الذي أخذه جالوت من قبل، وأتت الملائكة بالصندوق ووضعته أمام طالوت، فلما رأى بنو إسرائيل ذلك رضوا به، ووافقوا على حكمه، ثم أوحى الله لنبيهم بأن الله يأمرهم بالخروج مع طالوت لقتال عدوهم، لكنهم امتنعوا إلا قليلا منهم، ساروا، فاشتكى بنو إسرائيل من الظمأ فطلب منهم الصبر، واقتربوا من نهر، فقال لهم من شرب منه بكثرة، فقد خرج عن طاعته إلا من اغترف غرفة بيده يروي ظمأه، ومن خالف فعليه أن يرجع، فلما وصلوا النهر، لم يستجب أكثرهم وشربوا حتى امتلأت بطونهم إلا قليلا منهم.
أمر طالوت كل من شرب حتى شبع أن يرجع، وواصل سيره بالبقية الباقية، وعبر النهر ليلتقي مع جيش جالوت وحتى هذه القلة التي ثبتت تراجع بعضهم وأصابهم الخوف، إلا قليلا، “ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين” “البقرة 250”. في ميدان القتال وقف جالوت وجنوده في ناحية، وطالوت وبنو إسرائيل في ناحية أخرى، ثم تقدم جالوت مسلحا ونادى، هل من مبارز؟ وكان في جيش طالوت جندي عظيم، هو نبي الله داوود، والذي يرجع نسبه إلى إبراهيم عليه السلام، فخرج من بين الصفوف ليبارز الجبار بعد أن امتنع جميع بني إسرائيل عن الخروج إليه، فضرب داوود جالوت، فوقع قتيلا، وفر الجيش هاربا.
انتهت المعركة: “فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين” “البقرة 251”.
عهد جديد
بدأ عهد جديد واستتب لداوود الملك، وعمره ثلاثون سنة، واتسعت المملكة، وهو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وهو من سبط يهوذا بن يعقوب، ذكره الله في عداد مجموعة الرسل، قال: “وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا” “الإسراء 55”.
جمع الله لداود الملك والنبوة، وأنزل عليه الزبور، وهو كتاب مقدس فيه كثير من المواعظ والحكم، قال تعالى: “وآتينا داوود زبورا”، “النساء 163”، وأعطاه صوتاً جميلاً لم يعطه لأحد من قبله، فكان إذا قرأ الزبور، وسبح الله، وقف الطير في الهواء يسبح معه، وينصت لما يقرأه وكذلك الجبال فإنها كانت تسبح معه في الصباح والمساء، قال تعالى: “إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب” “ص 18-19”
كان يدعو الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك والفواحش ويحكم بين الناس بالحق، آتاه الله العلم والتفضيل قال تعالى: “ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين” “النمل 15” وجعله الله خليفة في الأرض،”يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب” “ص 26”.
وبسبب الحكمة اتبعه كل من عاش على الأرض في تلك الفترة الزمنية وفرض ملكه على كل الخلائق، وآتاه الله فصل الخطاب،”وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب”، “ص 20”، وأيده الله بمعجزات كثيرة دالة على نبوته، فألان له الحديد، حتى يسهل عليه صنع الدروع والمحاريب التي تستخدم في القتال.
أراد الله أن يعلم داوود درسا في العدل حين يحكم، فبينما كان يجلس في محرابه يصلى ويتعبد، فوجئ باثنين من الرجال يصعدان على سور محرابه، فدخلا عليه، فخاف منهما، فقالا يا داوود لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض فجئنا لتحكم بيننا، قال أحدهما إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فأراد أن يأخذها مني ليكمل المئة، فتسرع داوود في الحكم لهذه القضية قبل أن يسمع كلام الآخر: “قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ...” “ص 24”.
كان داوود فيه غيرة شديدة، إذا خرج أغلقت زوجته الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع، فخرج ذات يوم وغلقت الأبواب فأقبلت تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسطها فقالت، والله لتفتضحن بداوود.
فجاء داوود فقال له من أنت؟ قال، أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمتنع مني شيء فقال داوود، أنت والله ملك الموت فمرحباً بأمر الله وقبضت روحه.
ساحة النقاش