أحمد محمد - كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون بلاد الحجاز قريباً من خليج العقبة من الجهة الشمالية، ومدينتهم “مدين” قريبة من أطراف الشام ومن بحيرة قوم لوط، وكانوا بعدهم بمدة قريبة لقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب: (وما قوم لوط منكم ببعيد)، وقبيلة مدين من بني مدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.

وكان أهل مدين على الإسلام، ولكن لم يطل بهم العهد حتى غيروا دينهم الحق وكفروا بالله وعبدوا غيره، وانحرفوا عن الصراط المستقيم، فهم أصحاب تجارة وكانوا على الجادة التجارية الكبيرة بين اليمن والشام وبين العراق ومصر على ساحل البحر الأحمر، ولكن حب المال سيطر على قلوبهم وأعماهم عن اتباع الحق، فقد كانوا يعبدون الأيكة، وهي شجرة من الأيك حولها أشجار ملتفة على بعضها، وزيادة على كفرهم وضلالهم، فقد كانوا ينقصون المكيال والميزان، يأخذون بالزيادة ويعطون بالنقصان ويأكلون المال الحرام، ولم يكتفوا بهذه المعاملة السيئة، بل كانوا يقطعون الطريق على المارة، ويتعرضون للقوافل ويعيثون في الأرض فساداً.

وسط هذا المجتمع الفاسد والكفر والضلال الذي كانت تعيش فيه قبيلة مدين، بعث الله فيهم رجلاً منهم هو رسول الله شعيب عليه السلام، وقيل هو من ذرية إبراهيم الخليل، وقيل هو ابن بنت نبي الله لوط، وقيل غير ذلك، وهو من الأنبياء العرب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عند ذكر الأنبياء والرسل: “أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر”، وكان نبي الله شعيب عليه السلام مشهوراً بالفصاحة وعلو العبارة، وببلاغته في دعوة قومه، وذكر في القرآن الكريم عشر مرات.

 

دعوة

 

دعا شعيب قومه إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده، ونهاهم عن المفاسد والأفعال القبيحة، وأمرهم بالعدل والميزان بالقسط وأن لا يبخسوا الناس حقوقهم، وأن لا يقطعوا الطرق على المارة ويأخذوا أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

لكن لم يؤمن بدعوته إلا العدد القليل من قومه مع أنهم كانوا في بحبوحة من العيش، فقد بسط الله عليهم الرزق في عيشهم استدراجاً لهم، وابتلاء مع كفرهم وعدم شكرهم لله على ما أعطاهم ورزقهم من النعم، وقد بين لهم نبيهم وذكرهم بما وسع الله عليهم من الخير والرزق لعلهم يقبلون دعوته فيعبدون الله وحده ولا ينقصون المكيال والميزان وينتهون عن الفساد في الأرض، قال تعالى: (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)، فقد ذكرهم شعيب عليه السلام بنعمة الله عليهم في تكثيرهم بعد القلة، وحذرهم نقمته الله وعذابه الأليم الذي ينتظرهم في الدنيا والآخرة.

وأخذ نبي الله شعيب يبسط لقومه في الكلام ويدعوهم للمعروف وينهاهم عن المنكر فقال لهم برفق وحكمة: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ)، أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم إن كنتم مؤمنين من أخذ أموال الناس بالتطفيف والظلم والخيانة، فأراد أن يبين لهم أنه ناصح لهم فيما دعاهم إليه نصيحة خالصة لله.

استهزاء

لكن قوم شعيب واجهوا دعوته بعد كل هذه المحاولات والنصائح بالسخرية والاستهزاء وعدم الاستجابة وتكبروا عن اتباع الحق وقالوا: (أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد)، أي أَصلاتك هذه هي الآمرة لك بأن نترك ما كان يعبد آباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون ونعبد الله وحده، وألا نتعامل في أموالنا كيف نشاء، ورغم ذلك استمر يدعوهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)، ثم انتقل في دعوته لقومه إلى الترهيب فقال لهم: (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد)، أي لا تحملنكم مخالفتي وبغضكم لما جئتكم به على الاستمرار في ضلالكم، فيحل الله بكم العذاب مثل ما أحله بأمثالكم من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين لأنبيائهم.

ولم تنفع المحاولات العديدة والأساليب المختلفة التي بذلها نبي الله شعيب في دعوة قومه واستمروا على ضلالهم وكفرهم: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)، وتمادوا في ضلالهم، واستمروا على عنادهم في تكذيب نبيهم، ولما رأى تصميمهم على تكذيبه ورد دعوته، طلب النصر من ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه من العذاب، ودعا: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)، فأنزل الله العذاب الشديد عليهم: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين)، رجفت بهم الأرض وزلزلت زلزالاً شديداً أزهق أرواحهم وسلط عليهم ظُلة سحاب أرسل عليهم منها شرر النار فأهلكوا جميعهم، ونجا شعيب ومن معه من المؤمنين.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 49 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,063