طالب الشحي
إن الدين الإسلامي جاء ليرسخ مكارم الأخلاق في كل تعامل وفي كل مناحي الحياة فيقول صلى الله عليه وسلم عن نفسه “إنما بعثت للأتمم مكارم الأخلاق”. لذا نجد في النصوص الشرعية الدعوة إلى مكارم الأخلاق بالترغيب إليها وذلك بذكر الأجر المترتب عليها في الآخرة من تيسير العرض في يوم القيامة حتى دخوله الجنة. وبتيسير أمور حياته وتفريج كربه وقضاء حاجته وتسهيل معاشه والبركة في عمره وماله.
ومن تلكم الأخلاق العالية الجميلة السماحة في المعاملات المالية “البيع والشراء”، وذلك أن المال محبب إلى النفس والتخلي عنه يحتاج إلى همة عالية وقلب صادق مؤمن بموعود الله من الأجر والثواب روى البخاري وابن ماجة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى”، وفي رواية للترمذي: “غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلاً إذا باع، وسهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى”.
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ.
فهذه النصوص تؤكد على خلق عظيم ألا وهي السماحة وهي السهولة والتيسير فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا لمن كان خلقه المسامحة في المال لما فيه من بذل وعطاء وتجاوز.
فالسماحة في البيع بأن يكون البائع طيب النفس، لا يخدع الآخرين ولا يغش ولا يماري ولا ينفق سلعته بالحلف الكاذب ولا يستغل حاجة الآخرين ولا جهل المشترين والوفاء بما اتفقا عليه وتخفيض السعر لذي الحاجة لسلعة لا يمتلك ثمنها كاملاً، أو إمهاله وقتًا لأداء حقها، والمشتري لا يبخس السلعة قدرها بتقليل قيمتها ولا يخاصم البائع في بضاعته ولا يستغل جهله بالسوق أو حسن تعامل البائع معه. وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه بعيراً فوزن له فأرجح متفق عليه ولا يستغل المشتري اضطرار البائع في بيع سلعته فيرخص في الثمن بل يظهر سماحة الإسلام بأن يزيد في السعر أو بما لا ضرر عليه.
“فعامِل الآخرين كما تحبُ أن يعاملَك الآخرون” وهنا تتجلى المقاصد الشرعية في البيع والشراء في إيجاد المنافع ودفع الضرر وتكوين حضارية أخلاقية في المعاملات المالية.
ولعل من أهم الآثار التي يجنيها المجتمع من إيجاد السماحة في البيع والشراء غرس مبادئ القيم الإيمانية وأنها مقدمة على المصالح الدنيوية. وما أجمل من قال: “إن كفاءة الأداء في العمل جزء من حرص التاجر على سماحة الخلق هو تعيينه لأفراد ذوي نفس المبادئ والأخلاق وبذلك يضمن أمانتهم وكفاءتهم في العمل. وإيجاد البركة في البيع والشراء عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا - أَوْ قَالَ : حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”. رواه البخاري ومسلم
ساحة النقاش