عمرو أبوالفضل ـ المؤرخ المقريزي من أبرز العلماء المسلمين في القرن التاسع الهجري، نال شهرة واسعة لتصنيفه العديد من المؤلفات التاريخية الموسوعية وصار من أعلام التاريخ.

ويقول الدكتور سعد بدير الحلواني- أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر- ولد تقي الدين أحمد أبو محمد أبوالعباس بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي، بالقاهرة في عام 760 هـ، وقيل 766هـ، وذكر الإمام السيوطى أن مولده في عام 769هـ، وعرف بالمقريزي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة فقد كان أجداده من بعلبك، وحضر والده إلى القاهرة وولي بها القضاء وكتب التوقيع بديوان الإنشاء، ونشأ في كنف جده لأمه الذي كفل تعليمه وتوجيهه لدراسة الحديث، والتاريخ، وتقويم البلدان، وعلوم الدين والفقه والأصول على المذهب الحنفي والأدب على كبار علماء عصره بالأزهر الشريف، وبدت عليه النجابة والذكاء والتفوق في النثر، وعقب وفاة والده عام 786هـ-1383م، انكب على دراسة المذهب الشافعي، والتحق بخدمة السلطان في شبابه وظل يتنقل في وظائف الدولة المختلفة لأكثر من عشرين عاماً، تولى خلالها وظائف الكتابة في ديوان الإنشاء بالقلعة، وعين قاضياً وإماماً لجامع الحاكم وجلس لتدريس الحديث بمدرسة السلطان حسن وقراءة الحديث بالمدرسة المؤيدية وغيرها، وكانت له مكانة عند الملك الظاهر برقوق، ثم عند ولده الملك الناصر فرج من بعده كما توثقت صلته بالأمير يشبك الدوادار وقتاً ونال فى عهده جاهاً ومالاً، واختاره لوظيفة محتسب القاهرة والوجه البحري، وفي سنة 1408م، ولي النظر على الأوقاف وعلى المستشفى النوري بدمشق وتدريس الحديث بمدرستي الإقبالية والأشرفية، وعين نائباً للحكم بدمشق، وعاد إلى القاهرة بعد عشر سنوات لينكب على الدرس والاشتغال بالعلم، حتى اشتهر ذكره وبعد صيته، وسافر لأداء الحج ومكث بمكة خمس سنوات، ظل فيها يدرس ويصنف الكتب ثم رجع بعدها إلى القاهرة فالتف حوله طلبة العلم، وأضحت داره ندوة للعلم ومقصد الطلاب والعلماء.

الإمام العالم

 

وأثنى على علمه ومناقبه العلماء، وذكر ابن حجرالعسقلاني أنه: “كان إماماً عالماً بارعاً متفنناً ضابطاً خيراً محباً لأهل السنة يميل إلى الحديث”، ووصفه ابن تغري بردي بأنه: “الإمام العالم العلامة المتقن رأس المحدثين وعمدة المؤرخين تقي الدين المقريزي وأتقن من حرر تاريخ الزمان واضبط من ألف في هذا الشأن”.

 

وترك المقريزي مؤلفات قيمة قاربت مئتي مصنف بين كتاب ورسالة، والغالب عليها التاريخ وتقويم البلدان وأصول الديانات وتدل على سعة علمه وتبحره، وتميزت بالموضوعية والأمانة التاريخية في السرد والعرض، والتدقيق والتقصي والتحقيق والتعليل، والحيدة في تناول الحكام وعدم مداهنتهم والتقرب إليهم، وذكرت المصادر التاريخية أن أغلبها مفقود، إذ لم يصل إلينا منها سوى 36 مصنفاً أهمها “إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع”، و”المقفى الكبير”، و”درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة”، و”التنازع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم”، و”تاريخ الحبش”، و”تجريد التوحيد المفيد”، و”نحل عبر النحل”، و”الخبر عن البشر”، و”تاريخ الجراكسة”، و”تراجم ملوك الغرب”، و”الطرفة الغريبة في أخبار حضرموت العجيبة”.

واحتل بكتاب “الدرر المضيئة في تاريخ الدولة الإسلامية” المكانة الأولى بين المؤرخين، نظراً لإحاطته بتاريخ الدولة الإسلامية وتعمقه في نظمها ومعارفها ورجالها وفتوحاتها والمذاهب الفقهية والحركة العلمية والأدبية السائده فيها منذ مقتل سيدنا عثمان بن عفان إلى مقتل المستعصم ونهاية الخلافة العباسية عام 656 هـ، كما اعتبرت رسالته “شذور العقود في ذكر النقود” أول كتاب مفرد في تاريخ النقود العربية الإسلامية، ورصد في رسالته القيمة “الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك” رحلة الحج منذ حجة الرسول- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، ولمن حج من الخلفاء والملوك، حيث تضم رسالته ثلاث عشرة خليفة أولهم أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- وآخرهم أبوالعباس أحمد ثاني خلفاء بني العباس بمصر.

تاريخ الفسطاط

وصنف المقريزي عدة كتب كبيرة في تاريخ مصر، أهمها “عقد جواهر الأسفاط في تاريخ مدينة الفسطاط” تناول فيه تاريخ مصر الإسلامية منذ الفتح العربي وانفرد كتابه “اتعاظ الحنفا بأخبار الفاطميين الخلفا” بالحديث عن تاريخ مصر في العصر الفاطمي وأورد فيه معلومات عن ملوك مصر والفسطاط والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمماليك والأسواق والصناعات والدواوين، وأرخ في كتابه “السلوك لمعرفة دول الملوك” لتاريخ مصر منذ بداية الدولة الأيوبية إلى سنة 845 هـ-1441م، وعد أوفى مصدر في التاريخ الفاطمي والمملوكي، وبحث في كتاب “البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب” تاريخ القبائل التي سكنت مصر، واعتبره الباحثون حجة في موضوع استيطان القبائل من العرب والأمازيغ بمصر، من دخول عمرو بن العاص وحتى حياة المقريزي، واستعرض فى مصنفه “إغاثة الأمة بكشف الغمة” تاريخ الأزمات الاقتصادية والمجاعات في مصر وأسبابها، ويمكن القول إن كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” أشمل مؤلف جامع لتاريخ مصر القاهرة ومجتمعاتها وخططها القديمة.

واهتم المستشرقون بترجمة أعماله ونقلها إلى اللغات الأجنبية ودراستها، وتوفى-رحمه الله- بالقاهرة سنة 845 هـ-1442م.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 145 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,628