أحمد مراد - لا يذكر “الفقه الإسلامي” إلا ويذكر اسم عبدالرحمن بن هرمز، فقد كان - وما زال - من رموز هذا العلم، وذلك عبر إسهامات واجتهادات جعلته أحد مجددي القرن الثاني الهجري، ويكفيه شرفاً أن كان واحداً من جيل التابعين، حيث صاحب أبا هريرة، وتلقى العلم من ابن عباس، وسمع الحديث عن أبي سعيد الخدري، كما تتلمذ على يديه الإمام مالك.
يقول الداعية الإسلامي د. منصور مندور - من علماء الأزهر الشريف-: هو الإمام الحافظ أبو داود عبدالرحمن بن هرمز المدني المعروف بـ “الأعرج”، وكان يرتبط ببني هاشم برابطة الولاء، فقد كان مولى ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، ولد بالمدينة المنورة، وهو ينتمي إلى الطبقة الثانية من التابعين، وتتلمذ على يد عدد كبير من الصحابة الذين أدركهم، فسمع الحديث ورواه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن مالك وأبي سلمة بن عبدالرحمن وابن عباس ومحمد بن سلمة، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعاوية بن عبدالله بن جعفر وغيرهم.
مع أبي هريرة
ويضيف د. منصور: كان ابن هرمز تلميذاً مجداً ومجتهداً يتحرى الدقة في دراسته للحديث وتفسيره، ورغم أنه أخذ الحديث عن أكثر من صحابي جليل، فإنه كان أكثر ملازمة للصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، وفي هذا يقول السيوطي عنه: “هو صاحب أبي هريرة، أحد الحفاظ والقراء، أخذ القراءة عن أبي هريرة وابن عباس وأكثر من السنن على أبي هريرة”، ولعلّ هذا ما جعل أبن هرمز يتوسع في التفسير ويعرف الكثير من أحكام علم الحديث إلى درجة أن الذهبي يقول عنه: “كان ثقة.. ثبتا “أي حجة”.. عالماً”، وهذا حكم للذهبي لا يمكن إغفاله أو تجاهله لدقة هذا المؤرخ وموضوعيته.
ويقول د. منصور: ودرس ابن هرمز القرآن وتعلمه، فكان من الثقات المثبتين يلجأ إليه الناس للقراءة عليه، ويعهدون إليه في كتابة المصاحف لاطمئنانهم إلى حفظه وقراءته وعلمه ومعرفته، ولهذا تجمع المراجع على وصفه بالمقرئ المحدث، وإلى جانب تفقه عبدالرحمن بن هرمز في علم الحديث، كان من العلماء الكبار في علم الأنساب وقال عنه الذهبي: “كان أعلم الناس بأنساب قريش”.
علم النحو
ويشير د. منصور إلى أن دراسة بن هرمز لم تقتصر على العلوم الدينية والشرعية الإسلامية، بل كان عالماً متبحراً في اللغة العربية وعلم النحو، فقد كان أول من وضع علوم اللغة العربية والنحو، فقد سبق في هذا الشأن أبا أسود الدؤلي الذي جاء من بعده ليضع منهج هذا العلم، وقد نسبت المراجع أسبقية وضع علم النحو لابن هرمز، ومن ذلك ما رواه السيوطي عندما قال: “كان ابن هرمز أول من وضع علم اللغة العربية”. كما ذكره الزبيدي في طبقات النحويين واللغويين قائلاً عنه: “كان أول من وضع أبوابا وأصل أصولاً للنحو واللغة وعلى ضوئها سار من جاء بعده”.
خير السواحل
وعن رحلته إلى الإسكندرية واستقراره بها حتى وفاته يذكر البلاذري في فتوح البلدان أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول خير سواحلكم رباطا الإسكندرية، فخرج إليها من المدينة مرابطا حتى مات بها، وكان قد أقام بالإسكندرية سنوات قليلة ما بين 5 - 7 سنوات، وتوفي بها في عام 117 هـ، وقضى ابن هرمز سنواته القليلة في الإسكندرية في التدريس ورواية الحديث، فقد كانت الإسكندرية على عهده خير السواحل رباطا كما وصفها، وكانت تجتذب إليها عدداً كبير من علماء المسلمين وكبار التابعين وهؤلاء هم الذين نشروا علوم القرآن والفقه والحديث في مدينة الإسكندرية ومنها انتشرت إلى ربوع مصر كلها.
ويقول د. منصور: ورغم أن الفترة التي قضاها ابن هرمز في مصر قليلة جداً، فإن الكثيرين في مصر استفادوا من علمه، فمع قصر هذه المدة كان علمه الواسع زاداً كافياً لكل طالب علم سواء في اللغة أو الفقه أو التاريخ.
ساحة النقاش