أحمد محمد

عاد أهل مصر بعد يوسف عليه السلام إلى الضلال والشرك، واختلط أبناء يعقوب أو إسرائيل بالمجتمع وضل بعضهم، وبقي آخرون على التوحيد وتكاثروا وتزايد عددهم، إلى أن حكم الفرعون الذي كان عالياً ومستكبراً في الأرض، والمصريون يعبدونه، وسمع أن بني إسرائيل يتحدثون عن نبوءة بأن أحد أبنائهم سيسقط عرشه.

وقيل إنه رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر ولم تضر بني إسرائيل، فجمع الكهنة، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء، يكون هلاك أهل مصر على يديه، فأصدر أمره أن يقتل كل وليد ذكر منهم، فأشاروا إلى أن هذا سينتهي إلى إفنائهم، وستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة، والأفضل أن يذبح الذكور عاماً ويتركوا عاماً.

في العام الذي يقتل فيه الغلمان ولد موسى، خافت عليه أمه، أوحى الله إليها بإرضاعه ووضعه في الصندوق وإلقائه في النهر، حملته الأمواج إلى القصر، حملوه إلى زوجة فرعون، ألقى الله في قلبها محبته، جاءت به إلى زوجها، وفكر في قتله لأنه ربما يكون من بني إسرائيل فطلبت منه أن يسمح لها بتربيته.

 

في قصر فرعون

 

نشأ موسى في قصر فرعون أقوى حاكم وأشد الجبارين في الأرض في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله، ومصر أيامها أعظم دولة في الأرض، كبر وبلغ أشده، “ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها”، فوجد رجلاً من اتباع فرعون يقتتل مع آخر من بني إسرائيل، استغاث به فتدخل وأزاح الظالم فقتله من دون أن يقصد، قال “هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين”، أصبح خائفاً مطارداً، وفوجئ بالرجل الذي أنقذه يستغيث به ثانية، وانكشف سره، وجاء رجل من أقصى المدينة ونصحه بالخروج، لأن المصريين ينوون قتله، خرج حتى وصل إلى مدين، جلس يستريح من الجوع والتعب، لاحظ الرعاة يسقون، ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن تختلط بغنم القوم، أحس أنهما في حاجة إلى مساعدة، وسقى لهما، لم يذكر القرآن إلا أن أباهما شيخ كبير، لكن قال بعض المفسرين إنه النبي شعيب، وقالت إحداهما لأبيها أن يستأجره، وعرض عليه تزويجه إحداهما، على أن يعمل عنده ثماني سنوات، فإن أتم عشرا فمن كرمه. تجربة تفصل بين حياة القصور التي نشأ فيها والجهد الشاق في الدعوة، بعد انقضاء الأجل، خرج مع أهله، اشتد البرد والظلام، شاهد ناراً وذهب لعله يأتيهم بخبر، أويحضر الأخشاب المشتعلة لتدفئتهم، وصل إلى وادي “طوى”، لم يكد يقترب حتى نودي: “أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين”، وكان أول كلام ربه له وتكليفه بالرسالة.

أمره الله بأن يذهب إلى فرعون ويدعوه بلين ورفق، لإطلاق سراح بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم، واجهه وحدثه عن رحمته، ووجوب توحيده وعبادته، استمع فرعون بضجر وتصوره مجنوناً تجرأ على مقامه، لم يعجبه النذير، وأنهى الحوار بالتهديد.

بدأ موسى بأسلوب جديد، بإظهار المعجزة، ألقى عصاه فتحولت إلى ثعبان هائل، وأدخل يده في جيبه وأخرجها، فإذا هي بيضاء كالقمر، اعتبره فرعون ساحراً، فجمع السحرة ليتحداه، حدد الميقات يوم الزينة، ألقى السحرة عصيهم وحبالهم فامتلأ المكان بالثعابين “سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم”، وألقى موسى عصاه ووقعت المعجزة الكبرى، تحولت إلى ثعبان والتهمت ما صنعوا، وأسلم السحرة لرب العالمين.

أوصى موسى قومه باحتمال الفتنة، والاستعانة بالله، إلا أنهم اشتكوا، “قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا”، فيمضي النبي الكريم يذكرهم بالله، والأمل في هلاك عدوهم. أوحي الله إلى موسى أن يخرج مع بني إسرائيل وبلغت الأخبار فرعون فأمر بحشد جيش عظيم، واقتربوا منهم فامتلأ القوم بالرعب، البحر أمامهم والعدو وراءهم، ويجيء الفرج، “فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم”، وصل فرعون وشاهد طريقاً يابساً في البحر، سار وجنوده وفي منتصفه، انطبقت الأمواج عليهم، ولما عاين الغرق “قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين”، ولفظت الأمواج جثته إلى الشاطئ، خرج المصريون يتبعون خطى موسى وقومه وكان إخراجاً لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم، ودمر الله ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يشيدون.

أيام التيه

معجزة شق البحر لم تزل في أذهانهم، حين مروا على قوم يعبدون الأصنام، وطلبوا من موسى أن يجعل لهم وثنا يعبدونه، ولما انتهى ميقاته مع ربه وعاد فوجد السامري قد أضلهم بالعجل.

أثبت القوم أنهم لا يسلمون وجوههم لله إلا إذا لويت أعناقهم بمعجزة حسية، أمرهم أن يستغفروا الله ويتوبوا، اختار منهم سبعين رجلاً، خرج بهم لميقات ربه، دنا من الجبل وكلمه الله، وسمع السبعون، غير أنهم لم يكتفوا وطلبوا رؤية الله جهرة، ولما أمرهم بدخول بيت المقدس ليحاربوا عبدة الأصنام، رفضوا، وقالوا “فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، ولا تخفى لجاجة القوم في قصة البقرة، ويظهر سوء أدبهم مع نبيهم وربهم، وبدأت أيام التيه بالسير في دائرة مغلقة، تنتهي من حيث تبدأ.

خص الله نبيه موسى بأنه كليم الله، ثالث أولي العزم من الرسل، وصاحب معجزة العصا واليد، أنزلت عليه التوراة بلا واسطة، وإنما كلمه الله تكليماً.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 71 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,898