عمرو أبوالفضل - كان القلقشندي عالماً موسوعياً ومؤرخاً وفقيهاً وقاضياً علامة من رواد علم الأنساب والإنشاء، وأحد الأئمة الأعلام الذين خدموا الدولة الإسلامية بالعكوف على تأصيل معارفها ونظمها السياسية والإدارية وفتوحاتها ورجالها والتأريخ لعلاقاتها مع الأمم الأخرى.

ويقول الدكتور سعد بدير الحلواني - أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر - ولد أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد البدري الفزاري نسبة إلى قبيلة فزارة الغطفانية القيسية العربية، بقلقشندة إحدى قرى مدينة قليوب في دلتا مصر سنة 756 هـ - 1355م، ومنها اكتسب لقبه وتلقى دروسه الأولى بحفظ القرآن وعلوم اللغة العربية والفقه والتاريخ في القاهرة، وارتحل إلى الإسكندرية للأخذ عن أكابر شيوخها، وانكب على دراسة فنون اللغة العربية والأدب والفقه الشافعي، والجغرافيا، والأنساب، والتاريخ، والإنشا، ولما اجتمع له نصيب كبير من العلم أجازه شيخه سراج الدين أبو حفص المشهور “بابن الملقن” في سنة 778هـ 1376م، بالإفتاء والتدريس على مذهب الشافعي، كما أجاز له أن يروي عنه كل تأليف له في الفقه والأصول والحديث وكتب الصحاح الستة ومسند الشافعي ومسند ابن حنبل.

ديوان الإنشاء

 

ذاع صيته لعلمه ومعارفه الغزيرة وسعة أفقه وورعه، وميله للاجتهاد، ومحاولاته لتأصيل قواعد علم الفقه، والتف حوله طلبة العلم، مما لفت إليه أنظار رجال البلاط المملوكي، فالتحق بديوان الإنشاء في عهد السلطان الظاهر برقوق سنة 791 هـ، واظهر براعة في الكتابة والإنشاء، واطلاعاً على شؤون الحكم والسياسة الداخلية والخارجية وسير العلاقات بين مصر وباقي الأمم، واستمر فيه إلى نهاية عهد برقوق سنة 801 هـ، وأتاح له منصبه فرصة التعرف على شيوخ القبائل العربية والتواصل معهم ومراسلتهم وتسجيل أنسابهم على نطاق واسع، وذكرت المصادر أنه تولى القضاء، واختار بعد سنوات من خدمة البلاط، اعتزال المناصب العامة، بيد أنه ظل محتفظاً بمكانة رفيعة في البلاط المملوكي، وعكف على التصنيف والتأليف في فنون الأدب والفقه.

 

وأثنى العلماء عليه، وأشادوا بخلقه وزهده وعلمه، قال عنه السخاوي: “كان أديباً مؤرخاً واشتهر بكتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا، وهو أفضل تصانيفه، لكونه جامعاً بين الأدب والتاريخ ووصف البلدان ونحو ذلك”.

الموسوعة

وكان العلامة القلقشندي متحققا في علم التاريخ والأنساب والأدب والبلاغة وظهر هذا جلياً في المصنفات القيمة التي حررها، وذكرت المراجع أنه في مطلع القرن التاسع الهجري خطرت للقلقشندي فكرة وضع موسوعته التاريخية الجغرافية الضخمة “صبح الأعشى في صناعة الإنشا”، التي بدأ تأليفها سنة 805 هـ، وفرغ منها في شوال سنة 814 هـ. وقيل إنه استغرق في كتابتها عشرين عاماً، ويضم هذا السفر القيم عشر مقالات، تملأ جميعاً أربعة عشر مجلداً ضخماً اعتمد في تحريره على المحفوظات المصرية من مختلف الوثائق والمراسلات السلطانية والدبلوماسية التي تكدست في ديوان الإنشاء خلال العصور المتعاقبة، إلى جانب رجوعه إلى العديد من المصادر والمراجع التاريخية والجغرافية والأدبية وغيرها، وبدأه بمقدمة عن فضل القلم والكتابة، وصفات الكتاب وآدابهم، وتاريخ ديوان الإنشاء وأصله في الإسلام، وقوانين الديوان ومرتبة صاحبه والتعريف بوظائف الديوان، والكنى والألقاب، بالإضافة إلى مصطلحات المكاتبات الدائرة بين ملوك الشرق والغرب، منذ بداية الإسلام، مع فهرس معجمي لألقاب الملوك وأرباب المناصب، وأودع فيه نوادر الرسائل، وعرض للبيعات والعهود والكثير من النصوص والفرامانات الرسمية، واعتنى بالوصايا الدينية، وتصاريح الخدمة السلطانية، والإطلاقات والأوقاف، وتحويل السنين والتذاكر، وفنون الكتابة التي لا علاقة لها بالإنشاء، كالمقامات والرسائل والهزليات، واشتملت هذه المقالات على زهاء 2500 مصطلح يندر العثور عليها في غيره من الكتب، وانتهى بالمقالة العاشرة وهي خاتمة الكتاب ويتناول فيها نماذج في المديح والفخر وما يتعلق بديوان الإنشاء في غير شؤون الكتابة مثل البريد وتاريخه في مصر والشام والحمام الزاجل وما يتعلق به، ويشمل صبح الأعشى وصفا جغرافيا لنواحي مصر والشام والدول التي لها علاقة بمصر، كما ترك القلقشندي مصنفات أخرى قيمة منها “مآثر الإنافة في معالم الخلافة” انفرد فيه بأجزائه الثلاثة بالتأريخ للخلافة منذ نشأتها إلى أيامه، وبين دقائق حقائقها السياسية والدينية، ومعانيها في الشريعة الإسلامية، ومن ينطبق عليه اسم الخليفة، ومن تكون عنه الخلافة، وأيضاً كتاب “نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب”، و”قلائد الجمان في قبائل العربان”، وهما يتعلقان بأنساب العرب، ويعدان من اعظم كتب الأنساب في العصر الوسيط وينبئان عن دراية من القلقشندي تؤهله لكي يتبوأ مكانة سامية في أعلى هرم النسابين العرب، كما وضع مختصرا لكتابه “صبح الأعشى” عنوانه “ضوء الصبح المسفر وجني الدوح المثمر”، وصنف كتاباً في الفقه الشافعي عنوانه “الغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصرات الجوامع”، و”الكواكب الدرية في المناقب البدرية”.

وتوفي - رحمه الله - في سنة 821 هـ - 1418م في القاهرة.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 2 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,634