«الأول» .. الأعظم والأكبر
أحمد محمد - أودع الله تعالى من الخواص والأسرار في أسمائه ما تعجز الأقلام عن إحصائه والأوراق عن احتوائه، فأسماء الله الحسنى أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد، وصفات كمال ونعوت جلال لله، وأفعال حكمة ورحمة ومصلحة وعدل منه، سمى بها نفسه في كتبه، أو على لسان أحد من رسله أو استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يشبهه ولا يماثله فيها أحد.
و”الأول” من الأسماء الحسنى، سمى الله به نفسه على سبيل الإطلاق، دالاً على كمال الوصفية، ورد في نص واحد من النصوص القرآنية، قال تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم).
والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء، الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء الذي لا يحتاج إلى غيره، وهو المستغنى بنفسه عن كل شيء، فالأول اسم دل على وصف الأولية، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان.
والأولية في اللغة أخص من الوحدانية، انه الأعظم الأكبر، فمن الأولية أيضاً تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقاً في كل وصف كمال، وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله.
يقول العلماء: يعني اسم الله “الأول” إنه فوق كل شيء، الأول في علمه وحلمه، في عدله ورحمته، حكمته وقدرته مطلقة، المتقدم زماناً، سبب كل شيء، بيده مقاليد كل الأمور، ابسطها وأعظمها.
الأزلي
ومن معاني “الأول”، الذي يترتب عليه غيره، سبب كل شيء، هو مسبب الأسباب، هو الأزلي القديم الذي ليس له بداية، الأول بعرفان القلوب، الأول بالإيجاد والتخليق.
وروى الإمام القرطبي عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول: “إن فيهن آية أفضل من ألف آية” “المسبحات هي سور الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن”، والآية قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)، وقال الجنيد هو الأول بشرح القلوب والآخر بغفران الذنوب، والظاهر بكشف الكروب، والباطن بعلم الغيوب، وسأل عمر رضي الله عنه كعباً عن هذه الآية فقال، معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن.
وجاء في التفاسير هو الأول الأزلي، وأنه مستمر من قبل وجود كل محدث ومن بعد فنائه، وأن وصف الله بأنه “الأول” معناه أنه السابق وجوده على كل موجود وجد أو سيوجد من دون تخصيص جنس ولا نوع ولا صنف، و”الأول” هو الموجود لذاته من دون سبق عدم، والأولية في الوجود تقتضي أن تثبت لله جميع صفات الكمال.
وورد في السنة عند مسلم من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر”.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل ومن عذاب القبر ومن فتنة القبر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، اللهم نق قلبي من الخطايا، كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب”.
بلا ابتداء
ومن معاني اسم الله تعالى “الأول” أي الذي ليس قبله شيء، فهو الأول بلا ابتداء، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض”.
واسم الله الأول يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والسمع والبصر والعلم، والمشيئة والقدرة والعلو والغنى والعظمة فهو لا يحتاج إلى غيره في شيء، المستغني بنفسه عن كل شيء.
والأولية في الأشياء مرجعيتها إلى الله خلقاً وإيجاداً وعطاء وإمداداً، وقال سبحانه: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)، وقال: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).
وقال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين).
والأول هو الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة، والله تعالى هو الأول الحق، لأن أوليته ليست زمانيه ولا مكانية، لأنه هو الخالق للزمان وللمكان والوجود الذي لا أول له، كان ولم يكن لا زمان ولا مكان، لم يكن كائن من خلقه ثم أوجد الكون وكائناته.
وأما التعبد لله باسمه الأول وأثره الإيماني فقال فيه ابن القيم: فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدىء بالإحسان من غير وسيلة من العبد إذ لا وسيلة له في العدم قبل وجوده، أي وسيلة كانت هناك وإنما هو عدم محض، وقد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، فمنه سبحانه الإعداد ومنه الإمداد وفضله سابق على الوسائل، والوسائل من مجرد فضله وجوده لم تكن بوسائل أخرى فمن نزل اسمه الأول على هذا المعنى أوجب له فقرا خاصا وعبودية خاصة.
ساحة النقاش