أحمد محمد - إذا ذكر الصبر ذكر نبي الله أيوب، ابتلي في ماله وولده وبدنه، ففقد المال كله، ومات جميع أبنائه جملة واحدة، أقعده المرض وألزمه الفراش فصبر، لم يسلم من بدنه شيء إلا قلبه ولسانه، قلبه امتلأ بالحب والرضا ولسانه لم يفترعن ذكر الله.

نبى من أنبياء الله العظام الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، أنعم الله عليه بنعم كثيرة من المال والبنين، وفوق ذلك كله أعلى مكانته واختاره للنبوة، كان ملاذاً وملجأ للناس جميعاً، وبيته قبلة للفقراء، يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيئاً، ولا يطيق أن يرى فقيراً، وبلغ من كرمه أنه لم يكن يتناول طعاماً حتى يكون لديه ضيف فقير.

والمؤكد أنه من ذرية إبراهيم كما في قوله تعالى: “ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون”، “الأنعام:84”، وقد عرض القرآن الكريم جوانب يسيرة من حياته، وهو من الأنبياء المنصوص أنهم أوحي إليهم لقوله تعالى: “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ”.

 

صفاته

 

قال علماء التفسير والتاريخ، إنه كان رحيماً بالمساكين، يطعم الفقراء ويعين ‏الأرامل ويكفل الأيتام، ويكرم الضيف، ويؤدي حق الله عليه، كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الأنعام والعبيد، والمواشي والأراضي المتسعة بأرض البثينة من أرض حوران، كلها له، وكان له أولاد وأهلون كثير، فسلب من ذلك جميعه، وابتلي في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله وهو صابر محتسب.

أثنى الله على عبده أيوب في محكم كتابه “إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ”، والأوبة هي العودة إلى الله، والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده، لكن ما أصابه من الضر لم يكن بالصفة المنفرة التي يصوره بها القُصاص الذين نقلوا ذلك من الإسرائيليات وأهل الكتاب الذين حرفوا كتبهم.

قال ابن كثير، يذكر الله عبده ورسوله أيوب عليه السلام، وما كان ابتلاه به من الضر في جسده وماله وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً، سوى قلبه، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه.

الصحة والمرض

قالت له زوجته الصابرة ادع الله أن يفرج كربك، فقال لقد عشت سبعين سنة وأنا صحيح، ولله علي أن أصبر له سبعين سنة وأنا مريض، واختلفت الأقوال في المدة التي مكثها أيوب في البلاء، وأصح ما ورد فيها ما رواه الطبري وابن حبان وابن أبي حاتم والحاكم والهيثمي من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن نبي الله أيوب مكث في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من خواص أصحابه، كانا يغدوان عليه ويروحان، فقال أحدهما للآخر في يوم من الأيام والله إن أيوب قد أذنب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه وما ذاك؟ قال منذ ثماني عشرة سنة ولم يرحمه الله”، فلما سمع أيوب ذلك خشي الفتنة، فلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” “الأنبياء:83”، وجاء الجواب الإلهي: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ”، “الأنبياء:84، أمره الرحمن “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”، أي اضرب برجلك، فأنبع الله له عينا باردة من الماء، وأمره أن يغتسل فيها ويشرب منها، فأذهب عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهراً وباطناً، وأبدله صحة وجمالاً تاماً، ومالاً كثيراً حتى صب له من المال صباً مطراً عظيماً جراداً من ذهب.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: “أمطر الله عز وجل عليه بعدما عافاه جراداً من ذهب، فقام نبي الله أيوب ليأخذ الجراد الذهبي من ربه العلي ليضعه في ثوبه، فنادى عليه ربه جل وعلا وقال يا أيوب أما تشبع فقال أيوب ومن يشبع من رحمتك يارب، ومن يشبع من رحمتك يارب”.

نجاته

‏ خرج عليه السلام لقضاء حاجته وأمسكت زوجته بيده إلى مكان بعيد عن أعين الناس، فاستبطأته، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً، قال فإني أنا هو، وهكذا نجى الله أيوب، ورفع عنه البلاء بعد هذه السنوات بالصبر الصادق “ووهبنا له أهله ومثلهم معهم”، أخلف الله له أهله، فقيل أحياهم بأعيانهم، ورد إلى زوجته شبابها، وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولداً ذكراً، وكان قد حلف بأن يضربها مئة سوط فرفق الله بها وأمره أن يضربها بحزمة من القش.

كان أيوب بعد رفع ‏الضر عنه مسارعاً في طاعة الله لا تغره الحياة الدنيا، يدعو إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده، ويستعمل ما رزقه من أموال ‏كثيرة في طاعته، وعاش بعد ذلك سبعين سنة على دين الحنيفية.

يقول أصحاب السير إن الله أرسله إلى أمة الروم، ولذلك يذكر بعضهم أنه من أمة الروم، وجاء في تفسير الإمام المراغي أن الروم أمة عظيمة من ولد روم بن عيص بن إسحق بن إبراهيم، وقال الصابوني، كان مقامه في دمشق وأطرافها، ويذكر محمود شاكر أن أيوب بعث للجماعات التي كانت تقيم في منطقة حوران فعاش بينهم سبعين عاماً يدعوهم إلى عبادة الله، فما آمن له من قومه إلى قليل.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 55 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,872