أحمد محمد
الفتَّاح، اسم عظيم من أسماء الله تعالى، الذي يفتح بين عباده ويحكم بينهم بشرعه، ويفتح أبواب الخيرات والبركات، فالفتاح صفة جمال وجلال؛ لأنه سبحانه وتعالى يفتح أبواب رحمته ورزقه للطائعين، كما أنه قد يفتح أبواب البلاء والهلاك علي الكافرين، ويفتح قلوب المؤمنين، وعيون بصائرهم، ليبصروا الحق.
و”الفتاح” كثير الفتح على عباده، وبيده مفاتح الغيب والرزق، يفتح بصائر الصادقين فيرون الحق فيسهل لهم سبل الخير والطاعة، وييسرها عليهم، ويهديهم إليها ويسوقهم لها، واسم الله “الفتَّاح” يطمئن قلوب عباد الله المؤمنين بأنه مهما طال ليل الظالم وكثر بغيه وظلمه للعباد، فلا بد أن يفتح الله بين عباده؛ لأن معنى الفتاح الحاكم الذي يقضي بينهم بالحق والعدل.
ورد الاسم مرتين مرة بالإفراد ومرة بالجمع، أولاً في قوله تعالى: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم)، وبصيغة الجمع، في قوله عز وجل: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)، أما الفعل “يفتح وفتحنا” فجاءا كثيراً في القرآن الكريم.
كشف الكرب
والفتاح هو الذي بإرادته وقدرته يفتح كل مغلق فيكشف الكرب، ويزيل الغم، ويرفع البلاء، ويكشف العسر بيده مفاتيح الرحمة وأبواب الخيرات والبركات، هو الذي يملك أن يقول سبحانه وتعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم).
والفتَّاح الذي يفتح أبواب النجاح والتوفيق في بداية الأمور، فالآية الكريمة تقول: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)، وهي تقر وجود مفاتح الغيب عند الله وحده ولا يعلمها إلا هو، يفتح بين المتخاصمين بالحق: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين).
والفتاح يأتي بالفتح من حيث لا ندري، يفتح فتحاً مبيناً، يكون فوق قدرة الإنسان على التخيل والتصور (إنا فتحنا لك فتحا مبينا).
والفتَّاح مبالغة من الفاتح، هو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق، وبهدايته ينكشف كل مشكل، فتارة يفتح الممالك لأنبيائه، وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائها، ويرى العلماء أن من معاني اسم الله الفتاح أنه الذي بإرادته يفتح كل مغلق فيكشف الكرب ويزيل الهم والغم والمشاكل، يفتح أبواب الرزق، ومنها قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)، أي لو أنهم امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية، لكان من جزاء ذلك أن يفتح لهم من رحمته وأن ينزل عليهم من فيض رزقه. فالفتاح يفتح لعباده منافع الدنيا والدين، فيفتح لمن اختصهم بلطفه وعنايته أقفال القلوب، ويدر عليها من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية ما يصلح أحوالها وتستقيم به على الصراط المستقيم، ويهيئ للمتقين من الأرزاق وأسبابها ما لا يحتسبون، ويعطي المتوكلين فوق ما يطلبون ويؤملون، وييسر لهم الأمور العسيرة، ويفتح لهم الأبواب المغلقة.
وقد نسب الله الفتح لنفسه، لينبه عباده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره، وأن يعملوا بطاعته، ليفتح لهم وينصرهم على أعدائهم، يقول القرطبي، وهذا الفتح والشرح ليس له حد، وقد أخذ كل مؤمن منه بحظ، ففاز الأنبياء بالقسم الأعلى، ثم من بعدهم الأولياء، ثم العلماء، ثم عوام المؤمنين ولم يحرم الله منه سوى الكافرين.
الفتاح هو الذي يفتح الأبواب المغلقة أو المستعصية، أو الكثيرة، وحينما يطهر الإنسان وتصبح سريرته سليمة، ويستحق الإكرام تأتيه الدنيا وهي راغمة، وقيل الفتاح هو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه، كما في قوله تعالى: (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) وبعض العلماء قالوا، الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته، وفتح للعاصين أبواب مغفرته، فإن كان عاصياً فالله عز وجل يفتح له باب المغفرة، وإن كان مؤمنا يفتح له باب معرفته، وقيل الفتاح الذي يعين في الشدائد، يعطي عطاءً زائداً، يفتح أبواب الخير على عباده، ويسهل عليهم ما كان صعباً.
العلم والحكمة
والله الفتاح، يفتح أبواب العلم والحكمة، فإذا أخلص العبد لله أنطق لسانه بالحكمة، أول أنواع الفتح يفتح في أمور الدين وهو العلم، ويفتح في أمور الدنيا، فيكون الإنسان فقيرا فيغنيه، يكون ضعيفاً فيقويه، يكون مظلوماً فينصره على أعدائه، يكون مكروباً فيزيل الكربة ويحل محلها الفرحة.
وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أُعطيت مفاتيح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينما أَنا نائم البارحة إذْ أُتيت بمفاتيح خزائن الأَرض حتى وضعت في يدي”، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتي مفاتيح الكلم وهو ما يسر الله له من البلاغة والفصاحة والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات والألفاظ التي أغلقت على غيره، ومن كان في يده مفاتيح شيء سهل عليه الوصول إليه. وقد توجهت الرسل إلى الله الفتاح أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين، فيما حصل بينهم من الخصومة والجدال.
وقد سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الفتح؛ لأنه يوم القضاء بين العباد، يقول تعالى: (قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون).
ساحة النقاش