قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، ينظر الإنسان إلى السماء فينقطع بصره ولا يدرك مداها، ويرى فيها من الأفلاك والأجرام ما يحير فكره، ولا سيما إذا كان في هدأة الليل وسكون الحياة، ويطل عليه في تلك اللحظات عوالم كثيرة من آفاق السماء الرحبة الممتدة بما يحيره، وقد انشغل الإنسان برؤيته في آفاق السماء منذ القدم، وحاول التعرف على عوالمها، فاكتشف مع الأيام الكثير، ولا يزال يتابع اكتشافاته، وكلما رأى شيئاً جديداً جرّه إلى رؤية أشياء أخرى، وكل مجرة إلى مجرات، وهذا الذي يؤكده القرآن الكريم بقوله (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) لقد وضع القرآن الكريم بين يدي الإنسان حقائق من هذه السماء التي لا يستطيع العقل تصور سعتها، ولا تستطيع الحواسب أن تضع الأرقام لأبعادها، فأخبر القرآن الكريم أن في السماء بروجاً، والبروج هي الأبنية العظيمة، والعظمة نسبية بحسب الزمان والمكان، ولكنها بقيت في القرآن مفتوحة، قال تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ)، وقال عز وجل (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ)، ومعنى الآية أن السماء يعلو إليها البخار فيتكون سحباً متراكمة كالجبال الثقال، ثم يرجع إلى الأرض ماءً وبرداً فينزل حيث يشاء الله، قال تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ)، وهذه السماء المترامية هي مترابطة محبوكة لا تنفصل أجزاؤها عن بعضها ولا يخرج شيء منها عن مداره، قال سبحانه: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ) لأنها مبنية بناء متناسقاً كما يبني البناؤون البناء متواصل الأركان مشدود الأسس، هذه السماوات مبنية بإحكام وعلى طبقات بينها القرآن الكريم بأنها سبع سموات، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً)، ولا شك أن في كل سماء خصوصياتها وأحوالها ونظامها ومهمتها التي خلقت لأجلها، وحاول علماء عصرنا أن يتلمسوا هذه الأبعاد والخصائص في السموات السبع الطباق، ونظروا فوجدوا تصديق قوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) وتيقنوا بأن بهذا السقف المحفوظ قد حفظ الله تعالى به الحياة على وجه هذه الأرض من الأشعة الشمسية المحرقة، ومن النيازك والشهب السماوية المتلاحقة، ومن الألوان والاختراقات العلوية الضارة، كل هذا جعله الله تعالى يقف عند حدود السقف المحفوظ والغلاف الجوي المحيط بالأرض، فيمنع هذا وذاك من الوصول إليها أو التأثير على الحياة والأحياء فيها، ولولا هذا السقف المحفوظ لما قامت الحياة، وقد بين القرآن الكريم أن في السماوات أشياء كثيرة غائبة عنا، وما علينا إلا السير في ركاب العلم لمعرفة هذه المغيبات أو بعضها، قال عز وجل: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) وهذه السماء الدنيا بكل ما فيها زينها الله تعالى للناظرين بما يدعوهم لتعميق البحث والمتابعة لمعرفة مكوناتها وآياتها، قال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ)، وقال عز وجل (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)، صدق الله العظيم.

د. محمد مطر الكعبي

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 62 مشاهدة
نشرت فى 30 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,213,056