د. محمد مطر الكعبي
قال الله تعالى :( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [النحل :5 - 7].
والأنعام في لغة العرب مشتقة من مادة نعم، وهي نفس المادة المشتقة منها النعمة، وهي الحالة الحسنة، وطيب العيش ولينه، وفي هذا الاشتقاق إشارة إلى أن الأنعام نعمة، وأصل النَّعم عند العرب هي الإبل، لأنها أنفس المال عندهم، لكنهم توسعوا فيها، فأطلقوها على الإبل والبقر والغنم، وبذلك نزل القرآن الكريم، وفي هذه الأنعام عبر جليلة ونعم من الله كبيرة، ذكر بها القرآن الكريم فقال تعالى:( وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) [الأنعام :142] أي ما يحملكم، وتفترشون صوفه ووبره، وهذا الوبر والصوف هو الذي تستدفئون به، وتأكلون لحومها وشحومها، وتحمل الأثقال، وفيها الجمال فـي الحِلِّ والترحال، وأكد ذلك بقوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [غافر :79] وقال سبحانه:( وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) [الزخرف :12] فكم هي هذه النعم عظيمة وجليلة، فحقيق بهذه المواشي أن تسمى باسم مشتق من النعمة وهو الأنعام، قال تعالى:( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِّلشَّارِبِينَ) [النحل :66] وفي الأنعام ميدان عظيم للتأمل والتدبر والاستدلال على عظمة الخالق، وكيف يسر الحياة بمخلوقاته للإنسان، فاللبن السائغ الصافي الذي لا يخالطه حين خروجه جراثيم أو طفيليات، كما أكد ذلك القرآن الكريم في قوله عز وجل:( لَّبَناً خَالِصاً) أي لا يخالطه ولا يشوهه شيء، وسائغاً سهل الشراب والتناول، يخرج هذا اللبن الخالص السائغ من بطون الأنعام، وليس من بطن واحد، فقد أكد أهل الاختصاص أن الحيوانات المجترة -ومنها الأنعام- لها معدات عدة، واحدة داخل أخرى، وينتقل الطعام من واحدة إلى التي تليها، ولكل واحدة وظيفتها الخاصة بها، حتى يصبح الطعام فرثاً ودماً، وبعد ذلك يضم الحليب من خلاصة الدم بكيفية لا يعلمها إلا الله، وتتكرر في كل حيوان، وفي اليوم مرات عدة، مما يدعو الإنسان إلى مزيد التأمل والتدقيق ليعرف نعم الله الجليلة عليه، وقد ورد في القرآن الكريم سورة كاملة باسم (الأنعام) كما خص الإبل -وهي رأس النعم- بالذكر في كثير الآيات كما في قوله تعالى :( أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية :17] وسماها البدن (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج :36] وسميت بدناً وهي جمع بدنة لعظم جسمها، وإن الأنعام بما فيها من خصائص معيشية للإنسان نبه الله تعالى إلى امتنانه بها وموقعها في حياتنا؟ ولهذا فمن شكر هذه النعمة أن نحافظ عليها.
ساحة النقاش