أحمد محمد - اللطيف من أسماء الله الحسنى والتنزيه له تعالى، يدل على ذاته وعلى صفة اللطف، وعلى الحياة والقيومية والعلم والحكمة والقوة والعزة والإحسان والرحمة والرفق والرأفة والجود والمنة، وغير ذلك من أوصاف الكمال، والله هو اللطيف اجتمع له الرفق والعلم بدقائق الأمور وإيصالها لمن قدرها له من خلقه، هو الذي يجمل الكون ببديع خلقه وجمال صوره.
اسم الله اللطيف يتضمن الجمال والجلال والعظمة، هو الذي أعطى العباد فوق الكفاية وكلفهم أقل من الطاقة، الميسر لكل عسير والجابر لكل كسير هو الموفق للعمل الصالح مع قبول هذا العمل بتوفيق العبد للإخلاص بهذا العمل. وهو في وصف الله يفيد أنه المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون، ييسر أمورهم ويستجيب دعاءهم، نعمه سابغة ظاهرة لا ينكرها إلا الجاحدون، وهو الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون.
واللطف من الله تعالى، التوفـيق والعصمة، وقال ابن الأثـير فـي تفسيره إن اللطيف هو الذي اجتمع له الرفق في الفعل والعلم بدقائق المصالح وإيصالها إلـى من قدرها له من خلقه، قال ابن منظور في لسان العرب اللطيف بعباده ومعناه الرفـيق بعباده.
وورد اسم الله اللطيف في القرآن في سبعة مواضع هي: “لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير” “الأنعام:103”، وقوله: “إن ربي لطيف لما يشاء أنه هو العليم الحكيم” “يوسف:100”، وقوله سبحانه: “ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير” “الحج:63”، وقوله عز وجل: “يا بني أنها أن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير” “لقمان:16”، وقوله : “واذكرن ما يتلي في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً” “الأحزاب:34” وقال عز وجل: “الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز” “الشورى:19”، وقوله: “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” “الملك:14”. وقد ارتبط اسم الله الخبير في خمسة مواضع باسمه اللطيف، وجاء منفصلاً عنه في باقيها.
البر والإحسان
وقد ورد الاسم في السنة في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: “لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير”.
ويقول المفسرون وأهل العلم إن اللطيف سبحانه هو الذي اجتمع له العلم بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه مع الرفق في الفعل والتنفيذ، لطيف بعباده، رفيق بهم قريب منهم، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان، ويدعو المخالفين إلى التوبة والغفران مهما بلغ بهم العصيان، فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم، ولا يخفى عليه شيء مما في صدورهم، كما أنه يحاسب المؤمنين حساباً يسيراً بفضله ورحمته، ويحاسب غيرهم من المخالفين وفق عدله وحكمته.
قال الخطابي، اللطيف هو البر بعباده، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم من مصالحهم من حيث لا يحتسبون.
ومن معاني اللطيف أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال، حتى أنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة. وقال العلامة السعدي، ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها، ويوصله إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب.
وقال ابن القيم، اللطيف هو الذي يوصل الرحمة لعباده بالطرق الخفية، وقال البغوي في تفسيره، هو الرفيق بعباده، الموصل الشيء باللين والرفق، الذي لطف علمه ودق حتى أحاط بالمخفيات من الأمور، الذي يدرك بواطن الأشياء، وسرائرها، فمن دقة علمه وعظيم إحاطته بدقيق المعلومات انه يري النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، قال ابن كثير، إنه عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر، ولا تخفى عليه خافية، فقد أحاط سبحانه بجميع الموجودات، ولم يحط به علماً أحد من خلقه، وإن علموا شيئاً من أسمائه وصفاته، مما تفضل عليهم بتعليمهم إياه، إلا أنهم لم يعلموا حقائقها، ولا كنه ذاته العلية.
وقال الشوكاني في تفسيره، إن الله لطيف لا تخفى عليه خافية، يصل علمه إلى كل خفي، وهذا يستلزم من العبد تعظيمه سبحانه ومراقبته في السر والعلن، في السكنات والحركات، فكلما زاد يقينه بلطف علم الله تعالى كلما ازداد مراقبة له وحياء منه في خلوته وجلوته.
أن من عظيم رفقه سبحانه بعباده أنه يحفظهم ويرعاهم منذ كان أحدهم قطرة في ظهر أبيه، الى أن تدرج في مراحل الخلق حتى الخروج من الرحم ولا يكون له ذلك إلا بلطف الله ورحمته، ثم ييسر له قوته من أحب وأقرب مكان إليه، ويعرف طريقه، ثم يكون له منه الحفظ والرعاية في جميع الأحوال، وأعظم رفق من الرب بالعبد أن يوفقه للهداية والصلاح والاستقامة على منهج الله الذي يرضاه، ويعصمه من الذنوب، وإن وقع في شيء منها يسر له طريق التوبة والرجوع فصار عبداً تواباً أواباً.
ساحة النقاش