أحمد محمد - “يعقوب” ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وأمه “رفقة” بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، هو “إسرائيل” بالعبرية، وتعني باللغة العربية عبدالله، أبو الأسباط الاثني عشر، وإليه ينسب شعب بني إسرائيل، ينتهي نسبه إلى سام بن نوح عليه السلام، ولد في القرن الثامن عشر قبل الميلاد تقريبا، نشأ في بيت اصطفاه الله للنبوة.
ذكر المؤرخون أنه ولد في مهجر الأسرة الإِبراهيمية في أرض الكنعانيين “فلسطين”، وشب في كنف أبيه إسحاق، ثم سافر إلى خاله “لابان بن بتوئيل بن ناحور” المقيم في “فدان آرام” من أرض بابل وأقام عنده، وكان للابان ابنتان هما “ليئة” الكبرى، و”راحيل” الصغرى، التي خطبها يعقوب، فوافقه خاله مقابل أن يخدمه سبع سنين، ولكن خاله أدخله على ليئة بدلاً من راحيل، فكلم خاله في ذلك فقال له، اخدمني سبع سنين أخرى لأزوجك من راحيل أيضاً، فخدمه وجمع بين الأختين، ويقال إنه لم يكن الجمع بين الأختين في شريعتهم محرما.
ويروى انه كان لكل من الأختين ليئة وراحيل جارية، فتزوج يعقوب بهما أيضا، وصار عنده أربع نسوة، وقد ولدن له أولاده الاثني عشر، رأوبين الولد البكر وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزبولون، ويوسف وبنيامين، ودان ونفتالي، وجاد وأشير، وكان كل واحد منهم أبا لسبط من أسباط بني إسرائيل.
حياته
أقام يعقوب ببيت إيل “موضع ببيت المقدس”، ورفع بناء مسجد بيت المقدس، وجمع المؤمنين في بيته، ودعا إلى دين الإسلام وإلى عبادة الله وحده وترك عبادة غيره.
كان توأما مع أخيه عيص، عرف بالسماحة وحسن الخلق والصبر ورسوخ الإيمان بالله، كثير البكاء حتى صار من جملة بكائي التاريخ، وكانت بعثته في زمان واحد مع جده إبراهيم الخليل وأبيه إسحاق وعمه إسماعيل ولوط عليهم السلام.
يقول المفسرون: لم يفصّل القرآن الكريم من قصة يعقوب سوى حزنه على فراق يوسف، لذلك فإن ما يذكر في الكتب عن يعقوب منقول من التوراة والإصحاحات، وورد اسمه في القرآن في عشر سور هي البقرة وآل عمران والنساء والأنعام وهود ويوسف ومريم والأنبياء والعنكبوت وص، منها قوله تعالى: “وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأَسباط وما أُوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون”، وقوله سبحانه: “وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا”، وقوله عز وجل: “واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار”.
وقد ذكر الله تعالى ثلاثة أجزاء من قصته، بشارة ميلاده، إذ بشرت الملائكة به جده إبراهيم وجدته سارة، ووصيته عند وفاته، وبغير إشارة لاسمه في قصة ابنه يوسف، وذكره الله في عداد مجموعة الرسل، قال تعالى: “فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا، ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا”.
ابتلاء
وعرض القرآن جوانب يسيرة من حياة يعقوب، تضمنت إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل إليه طائفة من الشرائع، وجعله من الصالحين ومن المصطفين الأخيار، ووصيته لبنيه بقوله: “يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون”، وامتنان الله على جده إبراهيم بميلاده من وراء إسحاق وبجعله نبيا.
ابتُلي عليه السلام بفراق ابنه يوسف وما جرى له من حسد أولاده لأخيهم، وإلقائهم إياه في الجب، وادعائهم أن الذئب أكله، وشدة حزنه على فراقه، ثم انتقاله إلى مصر بعد أن صار يوسف عليه السلام على خزائن الأرض فيها، وفقد بصره حزنا على ولده، ثم رد الله له بصره بعد أن جاء البشير بقميص يوسف ووضعه على وجهه فعاد بصيرا بعد شدة حزن وألم، “فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون”، ورحل يعقوب عليه السلام وأولاده وأحفاده وأهله- وكان عددهم 83 فردا، وقيل 390 من فلسطين إلى مصر.
وكان نبي الله يعقوب أو إسرائيل قد حرم على نفسه بعض أنواع الطعام باجتهاد خاص منه وبلا وحي من الله يقول الله في ذلك: “كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين” “آل عمران 93”، قال ابن عباس: حضرت عصابة من اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فكان فيما سألوه: أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة؟ قال: فأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب - عليه السلام - مرض مرضا شديدا فطال سقمه، فنذر لله نذراً لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، فكان أحب الطعام إليه لحم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللهم نعم “رواه أحمد”.
بلغ يعقوب من العمر 147 عاما، ويذكر القرآن أنه حين حضره الموت سأل أولاده عما يعبدون من بعده، فأجابوه بما طمأن نفسه وقلبه، يقول الله تعالى: “أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون”.
ساحة النقاش