أحمد محمد - الله هو الخبير العالم بدقائق الأشياء على ما هي عليه، لا تغيب عنه الأخبار الباطنة ولا يخفى عليه في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة في الكون ولا تضطرب ولا تثور نفس ولا تطمئن إلا ويكون علمه محيطا بها، الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا تتحرك حركة إلا يعلم مستقرها ومستودعها.

والخبير سبحانه هو العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون، وليس ذلك إلا لله عز وجل، فهو العليم المحيط علمه بكل شيء، لا يخلو من علمه مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، والجلي والخفي، لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ولا يغفل ولا ينسى، وعلوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسبت إلى علم الله اضمحلت وتلاشت، كما أن قدرتهم إذا نسبت إلى قدرة الله لم تكن لها نسبة بوجه من الوجوه، فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون، وقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين. وعلم “الخبير” سبحانه محيط بجميع العالم، وما فيه من المخلوقات ذواتها وأوصافها وأفعالها، وجميع أمورها، فهو يعلم ما كان وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها، وما لم يكن، ويعلم أحوال المكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يميتهم وبعد ما يحييهم، أحاط علمه بأعمالهم كلها خيرها وشرها وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار.

والخلاصة كما يقول العلماء، أن الله هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والأسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

 

صفة الخبرة

 

ويدل اسم الله الخبير على ذات الله وعلى صفة الخبرة، قال تعالي: “كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا”، “الكهف 90”، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والإحاطة واللطف والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال، وقد ذكر الله كمال علمه بخلقه وإحاطته بهم ثم عقب باسمه الخبير فقال: “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”، “الملك 14”، وقال سبحانه أيضا: “لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، “الأنعام 103”، ليبين أن من لوازم الخبرة العلم والإحاطة فلا يكون خبيرا بغير ذلك. وورد اسم الخبير في القرآن الكريم في أكثر من أربعين آية، على سبيل الإطلاق والإضافة، وفي بعضها مقترنا بثلاثة أسماء هي الحكيم في قوله تعالي: “وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير” “الأنعام 18”، وباللطيف كما في قوله: “لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير” “الأنعام 103”، ومقترنا باسم الله العليم في قوله تعالي: “فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير”، “التحريم 3”.

وقد ورد الاسم في السنة عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لها: “لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير”. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم يا خبير يا بصير سبحانك وبحمدك توكلت عليك في مسألتي وأنت عليم بذنبي، فاغفر لي وعافني وارزقني واقض حاجتي ويسر أمري”.

صنعة الإنسان

والخبير هو الذي يخبر الشيء بعلمه، لكن الخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة، فالخبير بالشيء من علمه وقام بمعالجته وبين خصائصه وجربه وامتحنه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألمّ بخصائصه اللصيقة ووصفه على حقيقته، فالعلم نظري والخبرة عملية.

وخبرة الله قديمة قدم وجوده، أما صنعة الإنسان فتتطور بحسب خبرته المتنامية، ولا أحد أبداً أعلم بخلق الله منه فهذه حقيقة عظيمة كما يقول تعالى: “ولا ينبئك مثل خبير”، وفي الآية دلالة قاهرة على من اعترض على الأحكام الشرعية فالله هو الخالق لكل موجود، الخبير بهذا الخلق فهو أحق وأعلم وأحكم من حكم وشرع، وقال سبحانه: “وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير”، “الأنعام 18”، هو الذي يعلم كل شيء ولا يغيب عن علمه صغيرة ولا كبيرة، ومطلع على حقيقة كل شيء مهما دقت أو خفيت، عليم بدقائق الأمور ولا تخفى عليه خافية، يعلم الداء والدواء، يعلم الظاهر والباطن، يعلم الشكل والمضمون، يعلم جلائل الأمور ودقائقها، يعلم ما يرى بالعين وما لا يرى.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله، الخبير هو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة ولا يجري في الملك والملكوت شيء إلا بعلمه ولا تتحرك ذرة ولا تسكن إلا بعلمه ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا بعلمه، ويجب أن يكون العبد خبيرا بأحواله وبإيمانه وخبيرا مشاعره وأحوال قلبه والخفايا التي يتصف بها قلبه وخبيراً بإخلاصه واستقامته، فاسم الخبير يقتضي أن تكون خبيرا بما أنت عليه، ويجب أن يكون العبد خبيرا بما يجري في عالمه، وعالمه هو قلبه وبدنه والخفايا التي يتصف بها القلب من الغش والخيانة، وإضمار الشر وإظهار الخير، ولا يعرف ذلك إلا صاحب خبرة بالغة قد خبِر نفسه ومارسها وعرف مكرها.

ومن علم أن الله خبير بأحواله كان محترزا في أقواله وأفعاله واثقاً أن ما قسم له يدركه، فيرى جميع الحوادث من الله فتهون عليه الأمور، ويكتفي باستحضار حاجته في قلبه من غير أن ينطق لسانه. وبعض العلماء لهم دعاء يتعلق باسم الخبير يقول، إلهي أنت الخبير بالدقائق والبصائر والمطلِع على السرائر والناظر إلى الضمائر تجلَّ لي بنور اسمك الخبير بلا حول مني ولا تدبير، حتى أكون خبيراً بالأمور الغائبة عن الجهال وأنجو من الشرك الخفي وما هو أخفى في الأقوال والأعمال، نعم المولى ونعم النصير.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 58 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,951