عمرو أبو الفضل

الإمام الحافظ ابن عساكر من الأعلام المشهورين، الذين لهم مكانة مرموقة بين علماء المسلمين، تبوأها لورعه وعلمه ومصنفاته التي أثرى بها المكتبة الإسلامية في التاريخ والحضارة والفقه والحديث.

ويقول الدكتور سعد بدير الحلواني- أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر- ولد الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبدالله الشافعي المعروف بابن عساكر، في أول شهر المحرم في سنة 499 هـ - 13 من سبتمبر 1105م، بمدينة دمشق.

ونشأ ابن عساكر في بيت علم وفضل، وكان أبوه تقياً ورعاً، محبا للعلم ومجالسة العلماء ومصاحبتهم، وكان أخوه الأكبر صائن الدين هبة الله بن الحسن فقيهاًَ مفتياً، وكان والد أمه أبو الفضل يحيى بن علي القاضي الفقيه وكذلك كان أخوها أبو المعالي محمد بن يحيى قاضيا.

واتجه ابن عساكر إلى طلب العلم، وهو صغير بحفظ القرآن الكريم ودرس اللغة العربية والفقه والحديث والتاريخ على أشهر علماء دمشق فأخذ الفقه على أبي الحسن علي بن المسلم، وقرأ على أبي الفرج غيث بن علي الصوري تاريخ صور، وقرأ على عبدالكريم بن حمزة السليم كتاب الإكمال لابن ماكولا، ومشتبه النسبة لعبدالغني بن سعدي، وقرأ على شيخه أبي القاسم النبيه كتاب المجالس وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري، وقرأ على أبي محمد بن الأكفاني كتاب المغازي لموسى بن عقبة، وغيرها.

 

وارتحل طلبا للعلم وزار العديد من الأقطار الإسلامية ونهل من العلوم كثيرا، وأخذ عن علماء بغداد، ودخل الحجاز، ثم عاد إلى دمشق، ورحل إلى بغداد لمتابعة دروسه في المدرسة النظامية وفي فترة إقامته التي استغرقت خمس سنوات قرأ على أبي غالب بن البنا، كتاب نسب قريش للزبير بن بكار، وقرأ على أبي القاسم بن الحصين مسند أحمد، ودرس على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الطبقات الكبرى لابن سعد، والمغازي للواقدي، ولزم أبا القاسم بن السمرقندي وسمع منه كتبا كثيرة، ثم رحل إلى بلاد العجم، فسمع بأصبهان ونيسابور ومرو وتبريز وميهنة وبيهق وخسروجرد وبسطام ودامغان والري وزنجان وهمذان وأسداباذ وجي وهراة وبون وبغ وبوشنج وسرخس ونوقان.

وملأت شهرة الإمام ابن عساكر الآفاق، وقصده طلاب العلم من كل مكان، وكان يحضر مجالسه نور الدين محمود سلطان دمشق الذي قربه وبنى له “دار السنة”، وكان صلاح الدين الأيوبي يجله، ويحضر مجالس تدريسه، وأثنى العلماء عليه، وأشادوا بخلقه وزهده وعلمه، وقال عنه النووي: “هو حافظ الشام بل هو حافظ الدنيا، الإمام مطلقا الثقة الثبت”، وذكر السمعاني انه: “كثير العلم غزير الفضل حافظ متقن دين خير حسن السمت”.

وانصرف إلى التأليف والتصنيف، وخلف مصنفات جليلة في التاريخ والفقه والأصول والحديث والتفسير وعلوم العربية منها” إتحاف الزائر” و”الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد” و”الإشراف على معرفة الأطراف في الحديث” و”أمالي في الحديث”.

ويعد كتابه “تاريخ دمشق”، من اجل كتب التاريخ التي تسجل للحضارة الإسلامية وعلومها الإنسانية والعلمية عبر مختلف العصور، فهو لا يعد تاريخا لمدينة دمشق فحسب، بل موسوعة شاملة تؤرخ حضاريا للبلاد التي انتشر فيها الإسلام وسادت فيها العربية بين أقصى الشرق فيما وراء النهر وأطراف المحيط، كما انه موسوعة حديثية، ومن أوسع المصادر في سير الرجال والجرح والتعديل والآثار والمرويات، والأسفار والأخبار والأدب والشعر والنثر.

والكتاب عمل ضخم استغرق الإمام ابن عساكر في إنجازه سنوات طويلة، وكاد ينصرف عن إنجازه وإتمامه، لولا أن خبر هذا الكتاب تناهى إلى أسماع “نور الدين محمود” حاكم دمشق وحلب، فبعث إلى الحافظ ابن عساكر يشحذ همته ويقوي عزيمته، فعاد إلى الكتاب وأتمه سنة 559 هـ - 1163م، وجاء الكتاب في ثمانين مجلدا، تبلغ حوالي ستة عشر ألف صفحة مخطوطة، القسم الأول يتناول فضائل دمشق، ودراسة خططها ومساجدها وحماماتها وأبنيتها وكنائسها، وكل من نبغ من أبنائها أو سكنها، أو دخلها واجتازها من غير أبنائها من الخلفاء والعلماء والقضاة والقراء والنحاة والشعراء، كما ترجم لمن كان في مدن الشام صيدا وحلب وبعلبك والرقة والرملة، والترجمة امتدت من زمن أقدم الأنبياء والمرسلين إلى عصر المصنف، وختمها بتراجم النساء، حيث خصهن بمجلد مستقل، اتسع لـ 196 ترجمة عن شهيرات النساء في العلم والأدب والغناء وتوفى- رحمه الله- في 11 رجب 571 هـ- 26 يناير 1776م.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,192,117