أحمد محمد ـ عاش نبي الله “لوط بن هاران بن تارح” مع عمه “إبراهيم” عليهما السلام فترة من الزمن بأرض الرافدين، وأسلم على يديه، وتأثر بما جرى بينه وبين قومه، ورأى كيف وقف يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بترك عبادة الأصنام، إلا أنهم آذوه، وحاولوا أن يحرقوه بالنار، لولا أن نجاه الله، وهاجر إبراهيم إلى فلسطين واصطحب معه ابن أخيه “لوطا”، وهناك عاشا معا مدة من الزمن.

و”لوط” من الأنبياء والرسل الكرام، ذكره الله تعالى في القرآن الكريم سبعا وعشرين مرة، وقد ذكرت قصته مع قومه مفصلة في بعض السور ومجملة في البعض الآخر، وترك عمه وذهب إلى منطقة “سدوم” بالأردن؛ لأن الله أرسله نبياً إلى أهلها، يدعوهم إلى عبادته، وينهاهم عما هم عليه من أخلاق فاسدة وأخذ ينهاهم عن الفواحش والمنكرات، ودعاهم إلى الإسراع بالتوبة، وهم من أفجر الناس، وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأردأهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل، ويأتون في ناديهم المنكر، ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النساء لعباده الصالحين، وتوعدهم إن لم يرجعوا عما هم عليه، فسوف يعذبهم الله عذابا شديدا، لكنهم لم يستجيبوا لدعوته، وتمادوا في فجورهم وطغيانهم، حتى وصل بهم الأمر إلى أن حدثتهم نفوسهم الخبيثة أن يطردوا نبيهم، ومن آمن معه من قريتهم؛ لأنه دعاهم إلى الفطرة السليمة والأخلاق السوية من عبادة الله وحده، والتنزه عن الخبائث والأفعال القبيحة، ردوا عليه بالمناقضة والتهديد والوعيد وقالوا: “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون” “النمل:56”.

قطع السبيل

 

ألح عليهم نبي الله “لوط” بدعوته، وحذرهم من سوء عاقبتهم إذا استمروا على ذلك، قال لهم: “إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر”، وكان قطعهم السبيل أنهم كانوا يأخذون المسافر إذا مر بهم ويعملون به ذلك العمل الخبيث، وهو إتيان الذكور، وأما إتيانهم المنكر في ناديهم، فقيل إنهم كان يأتي بعضهم بعضا في مجالسهم، وسخروا من لوط، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب إن كان من الصادقين.

 

وكان لوط يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عن قطع السبيل والفواحش، فلا يزجرهم ذلك ولا يزيدهم وعظه إلا تماديا، واستعجالا لعقاب الله إنكارا منهم لوعيده، وعندما تأكد أنهم لم يستجيبوا له، دعا ربه أن ينصره عليهم، “قال رب انصرني على القوم المفسدين” “العنكبوت:30”، فاستجاب الله لدعوته وأرسل ملائكة كراماً لإهلاكهم.

مر الملائكة الكرام في طريقهم إلى قوم لوط على إبراهيم الخليل، وقد تشكلوا بصورة رجال وجوههم جميلة، فبشروه بغلام عليم، وهو “إسحاق” ومن وراء إسحاق يعقوب، وأخبروه أنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط أهل سدوم وما حولها، وأن الله أمرهم بإهلاك أهل هذه المدائن، تخوف إبراهيم على ابن أخيه أن يصيبه أذى، فقال لهم: “إن فيها لوطاً”، فأخبروه بأنهم أعلم بمن فيها، وأن الله سينجيه وأهله إلا امرأته التي لم تؤمن به، وتعين هؤلاء الفجار على العمل الخبيث، قال الله تعالى: “قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين، إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين، إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين” “الحجر:58-60”.

يوم عصيب

توجه الملائكة نحو القرية، وعندما رآهم لوط اغتم، لأنه خاف عليهم من أولئك المجرمين، قال تعالى: “ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب، وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات” “هود:77-78”، فظن لوط أنهم ضيوف فرحب بهم حيث كان يدرك خبث نفوس قومه وفسادهم، وحدث ما كان يخشاه إذ خرجت امرأته، وكانت كافرة إلى قومها وقالت لهم إن في بيت لوط رجالًا ما رأيت مثل وجوههم قط، وما إن سمع القوم الخبر، حتى أقبلوا مسرعين يريدون ارتكاب الفاحشة مع الضيوف، فجاءه قومه يهرعون إليه فقال: “يا قوم اتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد”، وأخذ نبي الله لوط يجادل المفسدين بالحسنى، ويناقشهم باللطف واللين، لعل فيهم من يرتدع عن غيه وضلاله ودعاهم إلى سلوك الطريقة الشرعية المباحة، وهى أن يتزوجوا بناته وأن يكتفوا بنسائهم، لكن الخبثاء رفضوا وصارحوه بغرضهم السيء من غير استحياء، عند ذلك ازداد همه وتمنى لو كان له قوة أو عشيرة فينصرونه عليهم.

لما رأت الملائكة ما يلقى لوط من كرب شديد أخبروه بحقيقتهم، وأنهم ليسوا بشرا، وقدموا لإهلاك هذه القرية بأمر الله، ثم ضرب جبريل عليه السلام وجوه القوم بجناحه، ففقدوا أبصارهم وأخبر الملائكة لوطاً أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج بهم، وسيسمعون أصواتاً مروعة تزلزل الجبال فلا يلتفت منهم أحد، كي لا يصيبه ما يصيب القوم وأن موعدهم الصبح، وخرج مع بناته وزوجته، ثم جاء أمر الله فاقتلع جبريل بطرف جناحه مدنهم السبع، ورفعها إلى عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات الديكة ونباح الكلاب، ثم قلبها وهوى بها في الأرض، وأثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء منها. عندما أشرقت الشمس كانت القرى بمن فيها خراباً ودماراً، قال تعالى: “فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد” “هود:82ـ83”، وتوفي “لوط” عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,072