أحمد محمد ـ اسم الله “الجبار” من أسماء التعظيم والتنزيه، يدل على معاني العظمة والكبرياء، وهو في حق الله وصف محمود، ومن معاني الكمال والجمال، وفي حق العباد مذموم من معاني النقص، فالله الجبار أمره هو النافذ، والجبار هو المصلح لكل الأمور، المظهر لدين الحق، الميسر لكل عسير، الجابر لكل كسير.

ومن معاني الجبار انه كثير الجبر نوعا وكما، وهو في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الجابر، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر، ومنه جبر العظم أي أصلح كسره، وجبر الفقير أغناه، وجبر الخاسر عوضه، وجبر المريض عالجه، ويستعمل الجبر بمعنى الإكراه على الفعل والإلزام بلا تخير.

وهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغنى والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف بالأمن، متصف بكثرة جبره حوائج خلقه، مشيئته نافذة في ملكه، فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

 

واسم الله الجبار يدل على ذات الله وعلى صفة الجبروت، والإجبار بمعنى الإصلاح أو قهر الخلائق على مشيئته، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني”.

 

وورد اسم “الجبار” في القرآن الكريم في موضع واحد، وهو قوله تعالى: “هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون” “الحشر:23”.

دفع الشر

وقد ورد في السنة، كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر أنه قال، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو على المنبر يقول: “يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده، وقبض بيده، فجعل يقبضها ويبسطها، ثم يقول أنا الجبار، أين الجبارون، أين المتكبرون”.

ويعرف العلماء الجبار بأنه العالي، الذي لا ينال جانبه، ولا تستطيع أن تغلبه، هو من لا يرقى إليه وهم، ولا يشرف عليه فهم، ولا يلحقه إدراك، ينفذ أمره في كل شيء، ولا ينفذ فيه أمر شيء، من أصلح الأشياء بلا اعوجاج، وأمر بالطاعة بلا احتياج، وهو الذي جبر عباده الطائعين له بأن يتولاهم برعايته وحفظه فيشعروا بأنه عز وجل معهم في كل وقت وحين.

ومن معاني الجبار أيضا أنه سبحانه وتعالي قاهر، يدين له كل شيء ويخضع له من سواه، والجبر بهذا المعنى ليس وصفا ذميما في حق الله عز وجل، لأنه تبارك وتعالى منزه عن كل ما يناقض كماله المطلق، فالجبروت البغيض المذموم هو أن تقهر إنسانا على ما لا يريد، والحق تبارك وتعالى لا يفعل ذلك، وإذا قهر جل وعلا مخلوقا على شيء فإن في هذا القهر مصلحة حتى وإن عجزنا عن إدراكها.

إن الجبر الإلهي بكل معانيه صفة من صفات الكمال الإلهي المطلق، ولا يستعمل الحق جل وعلا جبروته في موضع إلا تحقيقاً لخير أو دفعاً لشر، وهو سبحانه مستحق للحمد على جبروته كما هو مستحق الحمد على رحمته ومغفرته وكرمه. الجبار الذي يجبر فقر الخلق ويكفيهم أسباب المعاش والرزق، الذي يجبر المنكسرين، هو الذي يجبر من يلجأ إليه بكسره.

وأصل كلمة “الجبار” كلمة “جبيرة”، ومن دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، “يا جابر كل كسير”.

خير ومصلحة

نلاحظ أن كلمة “جبار” في حياة الناس مذمومة، لكن “الجبار” سبحانه وتعالى كلمة كلها خير ومصلحة لأنه يرد للمظلومين حقوقهم، فهو جبار للمنكسرين، على الكاسرين، يقصم الظالمين.

قال ابن قيم الجوزية، “الجبار” له ثلاثة معان، أحدها: انه الذي يجبر الضعفاء من عباده، ويجبر كسر القلوب المنكسرة من أجله، الخاضعة لعظمته وجلاله، فكم جبر سبحانه من كسير وأغنى من فقير وأعز من ذليل وأزال من شدة، ويسر من عسير، وكم جبر من مصاب فوفقه للثبات والصبر.

والمعنى الثاني: انه القهار الذي دان كل شيء لعظمته وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته، فهو يجبر عباده على ما اراد مما اقتضته حكمته ومشيئته فلا يستطيعون الفكاك منه.

والثالث: انه العلي بذاته فوق جميع خلقه، فلا يستطيع احد منهم أن يدنو منه.

وقال ابن عثيمين: الجبار له ثلاثة معان، الأول: جبر القوة، فهو سبحانه وتعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته وفي يده وقبضته.

الثاني: جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله.

الثالث: جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم.

وإذا دعا الداعي، فقال: اللهم اجبرني، فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع المكاره عنه.

ودعاء العبادة هو مظهر الخضوع لجبروت الله، توحيدا له في اسمه الجبار، فينفي الموحد عن نفسه التجبر، ويقينه بأن الله هو الجبار يجعله دائم الانكسار والافتقار مداوما على التوبة والاستغفار رغبة في ربه أن يجبر كسره وأن يغفر ذنبه وأن يديم فقره إليه، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمعه حين كبر قال: “الله أكبر ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة”.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 220 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,310,365