أحمد محمد - كان أهل بابل ينعمون برغد العيش، ولكنهم يتخبطون في الضلال والكفر، ونحتوا الأصنام واتخذوها آلهة وعكفوا على عبادتها، وكان عليهم حاكم مستبد يُقال له نمرود بن كنعان، أحد الذين ملكوا مشارق الأرض ومغاربها، ادعى الألوهية ودعا قومه إلى عبادته، وكان القوم حينها يعبدون الكواكب ولهم أصنام بأشكالها، وفي وسط هذه البيئة كانت ولادة سيدنا إبراهيم عليه السلام، واختلف أهل السير في موضع ولادته والمشهور أنه وُلد في ببابل، وأتى المنجمون إلى النمرود، وقالوا له نجد في علمنا أن غلاماً يولد في قريتك، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا، فلما دخلت السنة بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى فحبسها، فكل من تلد غلاماً يأمر بذبحه، إلا ما كان من أم إبراهيم فإنه لم يعلم بحملها، فلما وجدت الطلق خرجت ليلاً إلى مغارة، فولدته وأصلحت من شأنه، ثم رجعت إلى بيتها، كانت تطالعه لتنظر ما فعل، فكان يشب في اليوم ما يشب غيره في الشهر تجده يمص إبهامه، فقد جعل رزقه فيه ومكث في المغارة خمسة عشر شهراً، ثم ترعرع وكبر إلى أن اصطفاه الله تعالى لحمل رسالته ودعا قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الكواكب والأصنام.

وذكر كتاب الدر المنتظم في تاريخ الملوك والأمم في نسبه، أنه إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح،‏ وقيل إن تارخ هو “آزر”.

ووردت قصة سيدنا إبراهيم في اثنتي عشرة سورة في القرآن، وكان مثل غيره من الأنبياء منذ صغره مسلماً مؤمناً، يقول تعالى: “ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين” “آل عمران:67” وقال: “ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين” “الأنبياء:51” وإبراهيم كان أمة وحده وهو شيخ الحنفاء وأول من ضاف الضيف وأظهر الكرم وجعله الله إماماً للناس وجعل في ذريته النبوة والكتاب، فهو أبو الأنبياء وكلهم بعده من نسله واتخذه الله خليلاً وجاء ربه بقلب سليم وأسلم لرب العالمين وهو الذي سمانا المسلمين.

 


آزر

 

لكن كان رب الأسرة كافراً ويصنع تماثيل الآلهة وقيل إن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل إن “آزر” هو والده حقاً ووقف إبراهيم ضد أسرته وأوهام قومه وظنون الكهنة وعبدة الكواكب وضد كل أنواع الشرك وقرر مواجهتهم، “... قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين” “الأنعام: 78-79”.

ووقع الخلاف مع الأب، لكن إبراهيم دعاه بالحسنى: “يا أَبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً. يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً. يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً” “مريم 42-44”، ثار الأب، وهدد إبراهيم بالرجم بالحجارة، إذا لم يتوقف عن دعوته. وهجر إبراهيم قومه وما يعبدون وكان يعرف أن هناك احتفالاً عظيماً، ينصرف الناس إليه وخلت المدينة ودخل المعبد ونظر إلى تماثيل الآلهة وإلى الطعام الذي وضعه الناس أمامها، سألهم وهو يسخر منهم: “ألا تأْكلون” “ما لكم لا تنطقون” ثم هوى بفأسه عليهم وتحولت الآلهة المزعومة إلى قطع مهشمة إلا كبير الأصنام فقد تركه “لعلهم إليه يرجعون” فيسألونه كيف وقعت الواقعة.

وأحضروه، وتجمع الناس، وسألوه عما حدث فأجابهم إبراهيم “بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون” هزهم التهكم وردهم إلى شيء من التفكر: “فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون” “الأنبياء-64” لكن أخذتهم العزة بالإثم: “قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين” “الأنبياء 68”.

برداً وسلاماً

جاء الناس ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة وحفروا حفرة عظيمة ملؤوها بالحطب والخشب وأشعلوا فيها النار وقيدوا إبراهيم وألقوه فيها وجاء جبريل وسأله ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا ولم تمارس النار وظيفتها في الإحراق فقد أصدر الله أمره “فقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم” ولما انطفأت فوجئوا به يخرج سليماً كما دخل.

واستمر إبراهيم في دعوته وبذل جهده ليهدي قومه وحاول إقناعهم بكل الوسائل، إلا أنهم غضبوا وهجروه، ولم يؤمن منهم سوى امرأة واحدة هي سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صار نبياً وحين أدرك إبراهيم أن أحداً لن يؤمن بدعوته قرر الهجرة إلى مدن عدة ثم إلى فلسطين وبعدها مصر. كانت سارة لا تلد وقد أهداها ملك مصر سيدة لتخدمها، هي “هاجر”، وصار إبراهيم شيخاً، فقدمتها له ليتزوجها وولدت هاجر “إسماعيل” وأمر الله إبراهيم أن يصطحبهما ويتركهما بمكة التي كانت غير ذات زرع ولا ضرع ولم يكن بيت الله الحرام قد أعيد بناؤه بعد.

كبر إسماعيل وابتلى الله تعالى إبراهيم ابتلاء عظيماً بسبب حبه لولده الذي رزق به على الكبر، فقد رأى في المنام أنه يذبحه فيستجيب لله ولا يسأل وأطاع، فجاءه الفداء وصار ذاك اليوم عيداً لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون وشمر إبراهيم وابنه إسماعيل عن ساعد الجد فرفعا القواعد من البيت. وجاءته البشرى من الملائكة بابنه الثاني اسحق من زوجته سارة التي كانت عجوزاً عقيماً. وأنزل الله على إبراهيم عشر صحف، ووصى أبناءه بالالتزام بالإسلام وقيل إنه مات وعمره مئة وخمس وسبعون سنة.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 25 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,804