الشريف الإدريسي

عمرو أبو الفضل ـ كان الإدريسي واحدا من أشهر الرحالة المسلمين في القرن السادس الهجري، الذين قاموا أقدم رحلات علمية شملت قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ولسبقه وجهوده العلمية اعتبر من عمالقة علماء الجغرافيا والأقاليم والأدوية.

ويقول الدكتور عبد الحكم الصعيدي- الأستاذ بجامعة الأزهر- ولد أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحموي الحسني، في سبتة بالمغرب سنة 494هـ /1100م، وعرف بـ”الشريف الإدريسي”، لأنه من نسل الأدارسة العلويين الذين أسسوا دولة الأدارسة بالمغرب، ولقب بـ”الصقلي” لاستقراره بصقلية ردحا من الزمن، ويعرف كذلك بـ”القرطبي” لقضائه معظم مراحله الدراسية بقرطبة.

ودرس الإدريسي في سبتة وفارس بالمغرب، ثم انتقل إلى قرطبة قبلة العلم والحضارة آنذاك، ومكث بها عدة سنوات أتقن خلالها الجغرافيا والفلك والرياضيات والطب والصيدلة والنبات، ثم خرج في طلب العلم إلى المشرق، فطاف ببلاد الإسلام، ثم عاد بعد ذلك إلى المغرب مارا بصقلية، وقيل إن عمره حين زار آسيا لم يتجاوز السادسة عشرة.

 


شخصية الإدريسي

 

وكان الإدريسي يتمتع بشخصية جذابة، موهوبة، وعقلية علمية تواقة إلى المعرفة، وعشق السفر والترحال، وقام برحلات علمية كثيرة كان لها أكبر الأثر في تكوين معلوماته الجغرافية والتاريخية، التي صقلته علمياً وفكرياً، ومهدت لوضع مؤلفاته، فقد انطلق في رحلته إلى شبه الجزيرة الإسبانية وجنوبي إيطاليا والبرتغال. كما وصل إلى شواطئ فرنسا وإنجلترا الجنوبية وتجول بمدنها، ثم عبر البحر إلى المغرب وتجول في شماله وجنوبه، وعاش حينا في مراكش، وحينا آخر في قسنطينة، ثم رحل إلى المشرق وتجول في آسيا الصغرى، وانتهى به المطاف في جزيرة صقلية، وهناك استقبله ملكها روجر الثاني النورماندي في بلاطه وأغدق عليه وكفله بالرعاية، وكان زملاؤه في بلاد الملك روجر الثاني يتهمون الملك باعتناقه الإسلام لما رأوه من شديد الإعجاب بالإدريسي والثقافة وبالعلوم الإسلامية وخاصة الجغرافيا. وفي صقلية بدأ عمله العلمي بتصميم خريطة للعالم ظلت الأدق والأفضل حتى وقت قريب، وأغدق الملك روجر عليه المال، وطلب منه أن يضع كتابا شاملا في الجغرافيا لوصف طبيعة البلدان، وثقافاتها وجبالها وأنهارها وسهولها وأوديتها، فوضع كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” واعتمد في هذا الكتاب على مشاهداته في الرحلات التي قام بها إلى البلدان والدول المختلفة، وعلى التقارير التي وصلته من الوفود التي أرسلها إلى المناطق الأخرى، وهى تقارير تتضمن معلومات جغرافية، ثم على المراجع الجغرافية التي اطمأن إليها ووثق بمعلوماتها، كمؤلفات بطليموس، وابن حوقل، والمسعودي. واستغرق في وضع كتابه هذا خمسة عشر عاما تقريبا، وأتمـه في عام 548هـ /1123م، وفى أعقاب وفاة الملك روجر في عام 1154م، خلفه غليوم الأول، الذي كلف الإدريسي بوضع كتاب آخر، فأجابه بوضع كتاب “روضة الأنس ونزهة النفس” الذي اشتهر فيما بعد تحت عنوان “كتاب المسالك والممالك”. كما وضع عدة مؤلفات علمية تفصح عن علمه الواسع بعلوم الأرض والنبات والأعشاب والأدوية منها “الأدوية المفردة”، و”الصيدلة”، و”الجامع لصفات أشتات النبات”.

وذكر في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” الأسفار التي قام بها والبلدان التي زارها. كما احتوى أوصاف البلاد والأقطار والمواقع والتضاريس والبحار والأنهار والأودية والسهول، وكذلك غلات البلاد وتجاراتها سواء الصادرات أو الواردات، والعجائب التي تنسب إليها وأماكنها في الأقاليم السبعة، وأحوال أهلها وهيئاتهم ومذاهبهم وأزيائهم ولغاتهم وما يذكر عنها من العجائب، وغيرها من المعارف العمرانية والحضارية.

خريطة العالم

وحرص الإدريسي على دعم كتابه بسبعين خريطة للعالم المعروف في زمانه، اشتملت على 356 مدينة أفريقية، و740 مدينة أوروبية، و959 مدينة آسيوية. فكان بحق أعظم موسوعة جغرافية وبشرية في زمانه. واهتمت الدوائر العلمية في العالم بهذا المصنف وعدته غير مسبوق في مجاله، واعتبرته بهذا الكتاب أول جغرافي يقوم بمشروع علمي امتد ليشمل جميع أقطار المعمورة، بعد أن كانت أعمال الجغرافيين العرب تهتم بالعالم الإسلامي فقط. وطبع للمرة الأولى في فلورنسا بإيطاليا في عام 1592م، وهى أقدم طبعة بالحروف العربية، وبعد ذلك وضعت له ترجمات ومختصرات بلغات أوروبية مختلفة. وقالت عنه دائرة المعارف الفرنسية: “إن كتاب الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وإن ما يحتويه من تحديد للمسافات ووصف دقيق يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى”.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 705 مشاهدة
نشرت فى 25 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,305,580