د. محمد مطر الكعبي
لقد بث الحق سبحانه وتعالى الجمال في أرجاء هذا الكون لينعكس على نفس الإنسان وروحه فيرتقي بذلك، فلا يرى إلا الجمال في هذا الكون، ولا يصنع إلا الجميل والجمال، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ”. وقد بث الله عز وجل في الأرض التي لا ينفك عنها الإنسان من كل أنواع الجمال، الألوان والأشكال، والأحجام، ونبَّه الفطر السليمة، والعقول المتفتحة إلى ذلك، فالإنسان يرى الأرض ميتة خاشعة أحيانا، ثم تتغير شيئاً فشيئاً، ومنها يدرك تطور الجمال، قال تعالى: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)، وقال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المُوتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فبالأمس كانت ميتة واليوم انبعثت فيها الحياة الجميلة والعطاء الحسن، قال عز وجل: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، وقال تعالى: (وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا)، فالحدائق بألوانها ومساحاتها وأصنافها تسرّ الناظرين، وتريهم وجه الجمال في هذا الكون الواسع، والجمال في كل أنحائه، قال سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)، وقال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، وهنا يأتي دور العقل ليميز بين الأشياء ويفاضل بينها، فهل يستوي الجميل والقبيح؟ وهل يستوي العمار والدمار؟ وهل يستوي الموت والحياة، ما بث الله الجمال في الأرض والخضرة والنضرة ونبه إليها إلا لترقية الإنسان وإسعاده، وقال تعالى يذكر الإنسان بنعمه وقوانين جمال الوجود: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقاً لِّلْعِبَادِ ..) كل هذا جعله الله تبصرة لمن يبصر، وتذكرةً لمن يتذكر، فيزرع الخير والجمال في كل مكان حلّ فيه بدءاً من بيته وانتهاء بالأرض كلها، ويتعاون في صنع ذلك مع كل صالح يريد الخير لنفسه وللناس، وتتدارك البشرية اليوم بالدعوة إلى المحافظة على الأرض وترتيبها وإعمارها وإظهار الجمال فيها، فتعقد المؤتمرات لذلك، وتتعاون الجهود المخلصة ونحن معهم في ذلك، لأنه من صميم ديننا وكتاب ربنا قال تعالى: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)، صدق الله العظيم.
ساحة النقاش