قال الله تعالى: (.. وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ)، وقال سبحانه:
( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ)، فالماء أصل التكوين للمخلوقات الحية، وقوامها به، خاصة الإنسان الذي أكد العلم أن وجوده يتوقف على الماء، وبيان قيمته وأهميته فـي حياة الإنسان فـي آيات كثيرة، ومنها قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنزِلُونَ) والمزن جمع مزنة وهي السحابة أو الغيمة، ومن الماء ما هو ملح أُجاج، ومنه ما هو عذب فرات سائغ شرابه، ولكل واحد فائدته، وقد وضع الله تعالى هذا فـي موضعه الذي يفيد الإنسان، وهذا فـي موضعه الذي يحتاجه كذلك، فقال تعالى:
(وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتاً) أي عذباً، وقال سبحانه:
(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)، فالعذب للسقي والزرع والنبات، والملح الأُجاج للحفاظ على البيئة من الفساد، وحفظ كثير من الأحياء المائية، قال تعالى:
(وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِياًّ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، والحياة البشرية لا تقوم إلا بالماء بهذا وذاك، وقد كشفت الأبحاث والدراسات أن كوكب الأرض هو أكثر الكواكب ماءً، وكان يسمى الكوكب الأزرق لأن ثلاثة أرباع هذا الكوكب من الماء محاط به، ولكن الماء العذب محدد فـي هذا الكوكب الأرضي، وقد بين القرآن الكريم أن مصدر الماء السحب التي تطوف بهذا الكوكب، أو من جوف هذه الأرض فقال تعالى:
(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)، وبينت آية أخرى أن هذا الماء المتفجِّر عيوناً من الأرض أو أنهاراً من الجبال والهضاب مصدره السحب الثقال التي تحيط بوجه هذه الأرض، قال عز وجل:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ)، وقال سبحانه:
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ)، فإذا أمسكت السماء ماءها غار فـي الأرض مخزونها، وليعرف الناس قيمة هذه النعمة العظيمة تمر سنون لا تعلو فيها غيمة، ولا تنزل من السماء قطرة، فيجف الزرع وينقطع الضرع، وعندئذ يحسّ الأحياء بحاجتهم إلى الماء، وأن حياتهم رهينة به، أفلا تستحق هذه النعمة أن نحافظ عليها ونصونها من الضياع والهدر، ونستعملها الاستعمال الأمثل حتى تستمر الحياة على وجه هذه الأرض ؟
ساحة النقاش