د. محمد مطر الكعبي

ورد ذكر البحر في القرآن الكريم نحواً من أربعين مرة، وفي جُلِّ هذه الآيات تذكير بنعمة البحر التي وهبها الله تعالى لعباده، وما فيه من فوائد ومصالح لحياة الإنسان ليقدره قدره، ويحافظ عليه، قال تعالى في آية جامعة: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِياًّ وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، “النحل: الآية 14”، فخيرات البحر عظيمة، لا تقل عن خيرات البر، وفيها الأسماك، واللآلئ والحلي، وفي ركوبه اختصار للمسافات، وتواصل بين القارات في طرق مملوكة محددة كطرق البر وشعاب الأرض، قال سبحانه:

(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ)، “يونس: الآية 22” وقال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِنِعْمةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، “لقمان: الآية 31”، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ لِتَجْرِيَ الفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، “الجاثية: الآية 12”.

وفي البحر متسع كبير للصيد والرزق والثروة، قال سبحانه: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ)، “المائدة: الآية 96”، وقال عز وجل: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ)، “الأنعام: الآية 59”.

وقد تزاحم الناس في الماضي على اليابسة وتسابقوا من أجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن منها، وها هم اليوم يتزاحمون على البحار ويتنافسون عليها، وما ذلك إلا لما ظهر وتكشف ما فيها من خيرات وثروات.

وقد جاء التمييز في القرآن الكريم بين البحر المالح والبحر العذب كما في قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)، “فاطر: 12”، أي شديد الملوحة، والله تعالى قد جعل بين البحار المتعددة المحيطة باليابسة حواجز لا يطغى بحر على بحر، ولا ماء على ماء، لأن لكل واحد منهما فائدة وأحياؤه بل وضرورته لحياة الإنسان، قال سبحانه:

(مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ)، “الرحمن: الآيتان 19 - 20”، والبرزخ هو الحاجز، وقال سبحانه:

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً)، “الفرقان: الآية 53”، ومرج البحرين: أي أدخل أحدهما في الآخر، ومع ذلك الحاجز والحجر وهو المانع بينهما بحيث لا يؤثر الواحد منهما على الآخر، وقد أكدت الأبحاث العلمية وجود هذه الحواجز بين البحار ليحافظ كل واحد منهما على خصائصه ومكوناته ليؤدي ما سخر له من أهدافه وغاياته، أليست هذه البحار من النعم العظيمة في الوجود؟ ولهذا كان القرآن الكريم يذكرها بأنها من آيات الله الدالة على قدرته وعلى عنايته بخلقه ورحمته بهم، أفلا تستحق أن نشكرها بالمحافظة عليها والاستفادة منها على الوجه الصحيح؟

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 111 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,320