«الرحمن» كثير الرحمة وهو اسم مقصور على الله عز وجل ولا يجوز أن يقال لغيره فهو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة وهو المنعم بجلائل النعم على مستحقها وغير مستحقها واسم الله الرحمن متضمن للرحمة الكاملة والواسعة التي قال الله عنها: «ورحمتي وسعت كل شيء».
فمعنى اسم الله الرحمن الذي ورد في القرآن والسنة هو اتصافه سبحانه برحمته لكافة خلقه بأن خلقهم ورزقهم واستأمنهم وهي من أعظم صفاته بالنسبة لعباده بها تنفتح أبواب الرجاء والأمل وتثير مكنون الفطرة وصالح العمل وتدفع أبواب الخوف واليأس وتشعر الإنسان بالأمن والأمان.
ويقول العلماء هو اسم يدل على أن الله عز وجل مستغن بذاته عن سائر خلقه فهم مفتقرون إليه يرجون رحمته ويخافون عذابه والله هو الرحمن لأنه غني له كل كمال وجمال مطلق وواسع من غير حد، وهو الرب المدبر لهم المتجلي بكل ما يصلحهم يعطي حتى من لم يتوجه له، ويرشده لعظمته ولديه من الثواب والنعيم لمن يطلبه.
أوسع الأسماء
“الرحمن” هو أوسع الأسماء الإلهية بعد اسم “الله”، سبحانه سبقت رحمته غضبه والرحمن مشتق من الرحمة، والرحمة في اللغة الرقة والتعطف والشفقة، والرحمن هو من عمت رحمته الكائنات كلها في الدنيا ورحمة الله ليست قاصرة على ما وهب وأعطى، بل تمتد إلى ما حرم ومنع.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي- رحمه الله-: إذا تأملنا الكون المحيط تجلت رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة فالشمس تحافظ على مسافة ثابتة من الأرض تضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة لا يزيد فتقتلنا ولا ينقص فتقتلنا البرودة.
والهواء يحيط بنا ويحوي الأكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق الطاقة التي تكفل للجسم القيام بوظائفه والماء بما له من وظائف غير محصورة في جسم الإنسان فضلا عن استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان الأمراض.
وبعد أن أعد لنا عز وجل هذا الكون أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا يأتينا فيه الرزق بلا حول ولا قوة يصلنا منه تبارك وتعالى بلا تعب ولا مقابل وينبت من الأرض الجدباء طعاما وجعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة وجعل النهار للسعي والعمل واكتساب القوت.
ومن رحمته أنه أرسل الرسل إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين.
هذا وغيره رحمة الله رحمة عامة في أهل الدنيا، أنعم عليهم وفيهم من يشكر وفيهم من يكفر فقال تعالى: “ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون” “القصص 73. وقال: “وهو الذي أَرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا” “الفرقان 48”. وقال: “فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير” “الروم:50”.
مهابة
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن عامة بالناس أجمعين في الدنيا فإن الله عز وجل خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة، فقال تعالى: “الرحمن على العرش استوى” “طه:5”.
وقال علماء التفسير إن لفظ الجلالة يشعر بالجلال والمهابة، والرحمن يشعر بالسرور والحبور، ويبعث في النفوس الأمل والرجاء، ويطرد عنها شبح اليأس والقنوط وصفة الرحمن تعم كل موجود ويشمل خيرها كل مخلوق.
وإذا أراد جل شأنه أن يدني عباده منه، ويعطيهم عظيم الرجاء في رحمته، عبر باسم الرحمن، كما في قوله تعالى: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا” “مريم: 96” أي حبا وقربا في الدنيا والآخرة.
ورد اسم الله “الرحمن” في القرآن الكريم سبعا وخمسين مرة كلها تشير إلى دلالات أن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء قال تعالى: “ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما” وتأتي الرحمة من الله تعالى في القرآن الكريم بمعان متعددة منها الإحسان والنجاة والفوز والإنعام والعطف والمودة والرعاية والعفو والتجاوز.
والرحمن اسم يختص بالله قال تعالى: “قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أَيا ما تدعوا فله الأَسماء الحسنى” أي لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن.
والرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، ومن أظهر دلائل الرحمة أن الله تعالى إذا قبل توبة عبده بدل سيئاته حسنات.
والله عز وجل قد غلبت رحمته غضبه، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته، به يتراحم الناس ويتعاطفون، وسائر الأحياء في الأرض وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأَنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” وقال: “من لا يرحم لا يُرحم”.
ساحة النقاش